أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات الجريمة العالمية الكبرى

الجريمة العالمية الكبرى

14-07-2016 10:37 AM

د.رحيل محمد غرايبة

عرف العالم عبر التاريخ البشري الطويل حروباً مدمرة، ومعارك طاحنة متعددة الأطراف، وفي التاريخ المعاصر غرقت الكرة الأرضية بحربين عالميتين ما زالت آثارهما ظاهرة وواضحة العيان على رقعة واسعة من الكرة، أسفرت عن اتفاقات دولية على تقسيم العالم وتشكيل الدول الحديثة وتقاسم النفوذ بين المنتصرين، ولكننا اليوم نعيش جريمة عالمية وليست حرباً عالمية تظهر معالمها الحقيقية من خلال تقرير «تشيلكوت» واعترافات بلير. بدأت خيوط الجريمة عندما قرر أركان الحرب في الولايات المتحدة وبريطانيا بزعامة «بوش» و «بلير» تدمير دولة العراق وبعثرة المنطقة وإشاعة الفوضى، وإذكاء كل أنواع الفرقة واالنزاع الديني والطائفي والمذهبي والعرقي، وإغراقها في السلاح والمتفجرات، وتدمير شعوبها من الداخل، وتظهر معالم الجريمة المروعة التي لم يعرف التاريخ البشري مثيلاً لها من حيث حجمها وآثارها الممتدة التي لن تنتهي في الأمد المنظور، ولن تتعافى منها الشعوب العربية والإسلامية قبل مرور عقود من الزمن. أمر رئيس الوزراء البريطاني السابق «براون» عام (2009) بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة من أجل مراجعة السياسة البريطانية بخصوص العراق، برئاسة القاضي جون تشيلكوت، وقد استمر عمل اللجنة سبع سنوات، تم الاستماع لإفادة ما يزيد على (150) شاهداً من كبار السياسيين والعسكريين والأمنيين البريطانيين وعلى رأسهم «بلير»، ويتكون التقرير من (2) مليون كلمة، مدعومة بأدلة قاطعة عبر آلاف الوثائق الواضحة. يشير التقرير بوضوح إلى فشل الحكومة وفشل الأجهزة الاستخبارية وفشل الجيش في تحديد الخطر على نحو دقيق، وتم اتخاذ قرار المشاركة بشكل متعجل ومتسرع قبل استنفاذ الخيارات السلمية المتاحة، وأن قرار الحزب لم يكن مبرراً، وتم بناؤه على تقارير غير دقيقة، وفيها قدر من التضليل، وخلص التقرير إلى أن الهدف كان التخلص من نظام صدام حسين، وليس حماية بريطانيا من خطر محقق. العالم كله يعرف أن العراق كانت خالية من أسلحة الدمار الشامل، وأعتقد أن المشكلة ليست منحصرة في المعلومات الخاطئة التي بنيت عليها الحرب، ولكن المشكلة الحقيقية تظهر بوضوح بالآثار الخطيرة الناجمة عن تدمير الدولة العراقية وتدمير جيشها وشعبها وجعلها ساحة لعبث القوى الإقليمية المجاورة التي تكن أعلى درجات العداوة والبغضاء للعراق والعرب، مشحونة بأحقاد تاريخية وتعبئة مذهبية مجنونة وبلا حدود. «داعش « هي عبارة عن أثر واحد من هذه الآثار الكبيرة والخطيرة لهذه الجريمة العالمية الكبرى، التي يتم تنفيذها على حساب هذه الشعوب المنكوبة مرتين، حيث نكبت بأنظمة مستبدة وفاسدة أولاً ولم تستطع نقل شعوبها إلى أفق التحضر الحقيقي القائم على الحرية والكرامة والقوة الذاتية والحاضنة الشعبية، فكانت عرضة للإنهيار والتفكك، ثم نكبت مرة أخرى بالتدخل الأجنبي السافر من القوى العالمية والإقليمية المجاورة. «داعش» لا تعدو صنيعة إيرانية أولاً، بدأت تشكيل نواتها بعد حرب افغانستان والعراق، بتعاون وثيق من نظامي العراق وسوريا، عبر استغفال جماعات من الشباب المتطرف والمتدين والمتحمس على صعيد أهل السنة تحديداً، ومن أولئك الذين تم استيعابهم بعد انتهاء حرب افغانستان وتصفية القاعدة، وأضيف إليهم نزلاء السجون في كل من سوريا والعراق، ومن ثم استقطابهم من الجهاديين على مستوى العالم، وتم تقديم كل أنواع الدعم المطلوب عبر الدول المحيطة والأجهزة الاستخبارية العالمية، من أجل إكمال الجريمة وفي بعثرة المنطقة وإعادة تشكيلها على صفيح ساخن، وسوف يتم إنهاء هذه الحالة بقرار كما تم إنشاؤها بقرار. إعلان الحرب على العراق جريمة، وتدمير الدولة وجيشها وشعبها جريمة أكبر، ويتحمل وزر هذه الجريمة رئيس الولايات المتحدة بوش وكل أركان حكمه، ويشترك معه رئيس وزراء بريطانيا «بلير»، ومعهم أركان الحكم الإيراني وما لف لفهم، وكل من شاركهم وتعاون معهم على بعثرة المنطقة وشعوبها، ويتحملون وزر كل نقطة دم وكل روح أزهقت على أرض العراق وسوريا وكل الأرض العربية، ويجب أن يتم معاملتهم أنهم مجرمو حرب من الطراز الأول





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :