أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات نظرية «الصندوق الأسود»

نظرية «الصندوق الأسود»

15-06-2016 01:19 PM

د.رحيل محمد غرايبة

في أعقاب كل كارثة مروعة يهرع الباحثون والدارسون نحو «الصندوق الأسود» الذي قد يقودهم إلى معرفة أسرار الكارثة، ومعرفة الأسباب والعوامل التي أدت إلى الكارثة، أو على الأقل الوقوف على بعض الإشارات والعلامات التي ربما تقودهم إلى الحقيقة.
بعض الباحثين الاجتماعيين وبعض علماء النفس يستنسخ نظرية الصندوق الأسود على المستوى الإنساني، فيقولون هناك صندوق أسود يقبع داخل كل نفس إنسانية منذ لحظة الولادة والوعي على الحياة ، يتم من خلاله تسجيل كل الإساءات التي يتعرض لها الآدمي منذ ولادته، فكل كلمة جارحة، وكل موقف مسيء وكل إهانة وكل صفعة أو لمزة أو همزة أو نظرة سخرية واستهزاء أو محاولة للحط من الكرامة يتم الاحتفاظ بها في هذا الصندوق الأسود، وتبقى تتراكم يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر وسنة بعد سنة، وتبقى طي الكتمان، حتى إذا فاضت وتفاقمت انفجرت أحياناً، وذهبت بصاحبها نحو التطرف ونزعة العنف، أو الانزواء والعزلة عن الحياة والاستسلام للاكتئاب، وبعضهم يستطيع التغلب عليها ويعالجها، ويفرغها من خلال الانطلاق الإيجابي الفاعل نحو الحياة.
الأمم المتحضرة تنظر إلى الإنسان بأنه ثروة مهمة وهو من أعظم ثروات الوطن والأمة، ولذلك تحرص عليه أشد الحرص، وتبذل نحوه أقصى درجات العناية والحفظ والتكريم لحظة بلحظة، وتتجنب تعريضه للإهانة وعدم تعريضه لأي درجة من درجات العنف اللفظي والجسدي، بل لا بد من البحث عن أساليب التعزيز وبناء الثقة بالنفس، وتنمية ما لديه من ملكات وامكانات ورفع درجات الإبداع، وبناء منظومة القيم النبيلة لديه بأحسن الأساليب التربوية.
الكلام متوجه للأسرة أولاً، ولكل أب ولكل أم وأخ كبير أو أخت كبيرة، أن يحسنوا التعامل مع ألاطفال والصغار ، وأن يعلموا أن لدى كل طفل صندوقا أسود يحتفظ بكل كلمة وبكل تصرف وبكل موقف يحمل بعض دلالات الإهانة، فكيف بأولئك الذين يعرضون أطفالهم للصفع والضرب والتعذيب والاساءة الجارحة وطمس معالم ادميته وتشويه فطرته .
وكذلك المعلمون والمدرسون الذين يستأمنون على فلذات أكباد الناس، على هؤلاء الذين يرصدون كل صغيرة وكبيرة، ويرصدون كل موقف غير عادل، وكل تصرف غير مسؤول يؤدي إلى التمييز أو الحط من الكرامة أو يجرح المشاعر، فالأطفال لا ينسون، ويحتفظون بأي تصرف على شكل ندبة سوداء لا تمحى من ذاكرته على مدى الأيام والسنين.
إن الذين أفلحوا في إدراك هذه الحقيقة واستطاعوا التعامل معها بمعايير صحيحة، وبطريقة منهجية إيجابية مدروسة، استطاعوا أن ينهضوا بالإنسان ويجعلوا منه ثروة هائلة لا تعادلها ثروة، واستطاعوا من خلالها بناء الأوطان وصناعة الإنجازات وتشييد الحضارات، بينما الذين لم يصلوا بعد إلى إدراك هذه الحقيقة فقد أسهموا في تدمير الإنسان وتشويه الحياة، وأسهموا في ضياع الأوطان وتدمير منجزات الأجداد.
الأسرة، الروضة، المدرسة، الجامعة، الشارع، الحكومة بكل مؤسساتها تتحمل مسؤولية بناء النظرية التربوية الشاملة وفق منظور إعادة بناء الإنسان القوي المتعلم، صاحب الفعل القادر على التفكير، والعاطفة النبيلة المصقولة، والجسم الصحيح المعافى القادر على تحمل المسؤولية وتحمل مشاق عملية النهوض.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :