أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات ثمرات الحكم الفردي

ثمرات الحكم الفردي

08-06-2016 03:16 PM

د.رحيل محمد غرايبة

ما جرى ويجري في كثير من الأقطار العربية من تدمير للدولة وانهيار مرعب للمؤسسات، وتفكك الجيوش وتلاشي قوتها وضياع الجهود المبذولة على مدار عقود طويلة، وتهتك النسيج المجتمعي على هذا النحو، كل ذلك مردّه إلى مجموعة من العوامل والأسباب بعضها خارجي وكثير منها داخلي، ولعلّ السبب الأكثر تأثيراً في هذه المسألة يتمثل بنمط الحكم القائم على الفرد والشخص الواحد، الذي تضخم وتعملق إلى درجة كبيرة تجاوزت أنماط الحكم في العصور الوسطى والعصور الإنسانية القديمة الموغلة في الاستبداد والتفرد بالسلطة. ومن خلال نظرة سريعة على الأنظمة العربية التي تعرضت للانهيار مثل تونس «زين العابدين»، ومصر «حسني مبارك»، وليبيا «معمر القذافي»، واليمن «علي عبد الله صالح»، والعراق «صدام حسين»، وسوريا « الأسد»، وغيرها، كلها في الأعم الأغلب كانت دولة الرجل الواحد، الذي يجمع كل السلطات في يده، ويملك الأمر والنهي والخفض والرفع والقبض والبسط والتولية والعزل، ولا يخضع لأي شكل من أشكال المحاسبة والرقابة أو التقويم، وحتى من جاء منهم عبر الانتخابات؛ فكانت انتخابات شكلية خالية من المضمون الحقيقي وخالية من النزاهة والتمثيل الصحيح، ومن حاول منهم أن يوجد سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية أوجدها بطريقة تخلو من مضمون سلطوي مستقل، وكانت عبارة عن قوالب جوفاء، مع ضرورة التفريق بين هؤلاء من حيث الإنجازات الفردية ومن حيث النفس العروبي ومن حيث مستوى النظافة والفساد، ولكنهم كلهم في الأعم الأغلب كانوا يتشابهون في طريقة إدارة الحكم وتسيير شؤون الدولة وفقاً لرغبة الرجل الواحد المتفرد الذي يملك كل مقاليد السلطة. وفي الوقت نفسه ينطبق هذا الوصف على كثير من الأنظمة العربية الأخرى مع تفاوت في استخدام القوة الأمنية، وفي مستوى القهر والتسلط على رقاب العباد، وفي مستوى الفظاظة في التعامل مع بعض المخالفين على مستوى العمل السياسي، وفي طريقة إدارة التعددية الحزبية الشكلية التي لم تتطور ولم تنضج الى ذلك المستوى المطلوب من المشاركة السياسية بحدها الأدنى. سنة الكون تقضي بأن دولة الرجل الواحد المنفرد سوف تنهار وتتلاشى بزوال الشخص، لأنها لم تكن دولة قانون ومؤسسات، ولم يكن للشعوب فيها دور أو مشاركة حقيقية تجعل الشعوب تلتف حول السلطة ومؤسسة الحكم المعبرة عن إرادتها وسلطتها الجمعية، وتقطعت السبل بين الحاكم والرعية، وانعدمت كل معالم الثقة والتعاون، ولذلك وجدنا أنه بمجرد زوال الشخص الحاكم زالت الدولة وانحل الجيش وتلاشت كل الأجهزة الأمنية الباطشة التي كانت تتمتع بقدر كبير من الرعاية وتملك القوة والأسلحة الحديثة، وكان عدد بعض الأجهزة الأمنية لدى بعض الأنظمة العربية الحاكمة يزيد عن (13) جهازا أمنياً؛ ليشعر الحاكم بالأمن وليشعر الشعب بالخوف، حيث ذابت كل هذه الأجهزة مثل فص الملح. ربما يذهب الكثير من الكتاب والمحللين العرب إلى تعليق المسؤولية على (برنارد لويس)، وربما إلى المخططات الأميركية والصهيوينة، أو حسب مقولة الفوضى الخلاقة، وأحياناً يتم تحميل المسؤولية للقوى الإقليمية الناهضة مثل إيران وتركيا، ولكنهم يغفلون أو يتغافلون عن العوامل الذاتية الداخلية ويحجمون عن البحث فيما عملته أيدينا؛ مع أنها ذات الأثر الأكبر والأعظم في هذا الانهيار العظيم، المتمثلة بنمط الحكم الديكتاتوري الفردي المطلق، وعدم قدرة الأنظمة العربية وشعوبها على التقدم الجاد نحو الإمساك بعناصر القوة الذاتية بحدودها الدنيا التي تجعلها قادرة على مواجهة التدخل الأجنبي ومواجهة المؤامرات والمخططات الدولية والإقليمية. إن الدرس العميق الذي يجب أن نقف عليه جميعاً في هذه اللحظات الحرجة من تاريخ الأمة من أجل البقاء على قيد الحياة، ومن أجل الحفاظ على أنفسنا والبقية الباقية من أقطارنا وشعوبنا وأرضنا العربية، أن نبادر سريعاً إلى التخلص من عوامل الضعف، وضرورة الانعتاق من كل أشكال وأنماط الحكم الاستبدادي الفردي المطلق؛ التي غيبت شعوبها وسلبتها سلطتها ومقدراتها وصادرت إرادتها الجمعية.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :