أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات مولد الهدى والنور

مولد الهدى والنور

06-01-2016 12:18 PM

د.رحيل الغرايبة
ذكرى المولد النبوي الشريف مناسبة يحتفي بها العرب أولاً، ويحق لهم الاحتفاء لأسباب كثيرة لا حصر لها، ويحتفي بها المسلمون لأمور عظيمة لا تخفى على أحد، ويحتفي بها المؤمنون كلهم على اتساع الرقعة الأرضية كذلك، وينبغي أن تكون محلاً للاحتفاء من كل المنتسبين لبني الإنسان والحضارة الإنسانية على وجه العموم، وهي مناسبة تهم كل عوالم الكون بلا استثناء. الأمة العربية بكل مكوناتها وأطيافها واتجاهاتها الفكرية والسياسية تنظر إلى الرسول محمد «صلى الله عليه وسلم»، من خلال دوره في إعادة بناء أمة العرب بناءً إنسانياً وايمانيا وفكرياً وحضارياً، حيث استطاع بتأييد الله أن ينتشل هذه الأمة من قاع التيه والضياع و الفرقة والشرذمة والصراع البيني، ومعارك تدمير الذات، إلى أمة موحدة ذات رؤية ورسالة ودور عالمي في عملية تحرير الإنسان، وأصبح للعرب دولة قوية وجيوش فاتحة، وإنجازات حضارية على المستوى المعنوي والمستوى المادي، ولا زالت آثارهم تملأ السهل والوعر وامتدت حتى وصلت اسبانيا، لتصبح قرطبة وغرناطة والحمراء شواهد خالدة على نهوض هذه الأمة القوية. الأمة الإسلامية التي لا تنفك عن الأمة العربية في الدين والمعتقد والفكر والإنجاز الحضاري العالمي تحتفي بهذه المناسبة أيضاً لأن الإسلام استطاع أن يصهر هذه الشعوب والأعراق المختلفة عبر بوصلة حضارية مميزة، توّحد جهودهم عبر نسق رسالي قيمي نبيل يبعث على الفخر، وينقلهم من درك التخلف إلى آفاق المعاني الجميلة ومدارات الفضائل الإنسانية السامية وأسباب التقدم العلمي والمادي، مع حفظ حقوقهم وفضلهم وتقدير دورهم الأصيل. المستضعفون من البشر والمستعبدون عبر قوافل الرقيق، وجدوا في الإسلام معبراً نحو الحرية واستعادة الإنسانية الضائعة والآدمية المهدورة، وامتلكوا الفرصة لأن يلتحقوا بركب الحضارة البشرية مشاركين وفاعلين ومنتجين، من خلال مفهوم الآيات القرآنية القائلة : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»، وقول الرسول القائد في خطبة الوداع : « أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى». الإنسانية كلها ينبغي أن تحتفي بهذه المناسبة لنذكر بني البشر بضرورة التعارف والتعاون على الخير والبر، وأن تعمد إلى بناء السلم العالمي من خلال تحريم كل أشكال الظلم والعدوان : « وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ»، و «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ». يجب التذكير بأن الحضارة العربية الإسلامية هي إنجاز مشترك لكل مكونات الأمة، وأن الحرية قيمة لا تتجزأ، وأنها منحة من خالق الإنسان، وليس مكرمة من صاحب السلطان ومالك القوة، ولذلك ينبغي التأكيد على الدولة في الإسلام هي دولة المجتمع كله، تهدف إلى تدبير مصالح الناس وتسيير أمورهم وحفظ حياتهم، ويشترك في إدارتها وتسيير أمورها كل الأقوياء الأمناء، بغض النظر عن الاختلاف الديني والمذهبي والفكري والعرقي، وهذا محتوى وثيقة المدينة التي نصت في إحدى موادها على ما يلي : «للمسلمين دينهم ولليهود دينهم، وأهل هذه الصحيفة أمة من دون الناس ......». عظمة الإسلام تتجلى في القدرة على استيعاب الناس بكل اتجاهاتهم وتجميع طاقاتهم في محصلة البناء الحضاري، وتتجلى عظمته في جعل الإيمان بالرسل السابقين والكتب السابقة من أركان الإيمان الصحيح، من أجل التهيئة لبناء الإطار الجامع الذي يضم كل الأحرار القادرين على صنع الشراكة المطلوبة، بشرط التخلي عن الاعتداء والظلم والتعصب والحقد والتقليد الأعمى.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :