أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات ما تداعيات رفع الفائدة الأميركية على الاقتصاد...

ما تداعيات رفع الفائدة الأميركية على الاقتصاد العالمي؟

30-12-2015 12:26 PM

بقلم : عبدالله محمد القاق
انشغلت الاوساط المالية العربية والدولية بقرار الاحتياطي الفيدرالي برفع معدل الفائدة لأول مرة منذ 2006 يمثل «لحظة حاسمة للاقتصاد العالمي»، ويبدأ ما أطلق عليه الاقتصاديون اختلاف السياسة العظيم، مع تداعيات تشمل الاقتصادات والأسواق المالية العالمية.
الأسبوع الماضي، رفع مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ عام 2006. وكان الحديث عن أن الاقتصاد العالمي فتح صفحة جديدة. رفع الفائدة أسدل الستار على فترة استثنائية في الشؤون المالية العالمية التي أعقبت الانهيار في 2008. صحيح أن النمو في أجزاء كثيرة من العالم لا يزال ضعيفا. ونعم، قد يكون البنك المركزي الأوروبي يسير في الاتجاه الآخر. لكن خطوة الاحتياطي الفدرالي تمثل عودة الى الوضع الطبيعي.
يمكن أن يجادل الاقتصاديون حول ما اذا كان مثل هذا الحكم سابقا لأوانه. ما يفوته هو التأثير العميق الذي أحدثته الأزمة على النسيج السياسي. قد تكون الاقتصادات في وضع استعادة عافيتها وان بصعوبة، لكن النخب السياسية لا تزال تترنح. اسأل هؤلاء الذين يناهضون دونالد ترامب في الولايات المتحدة ومارين لوبان في فرنسا أو الذين يواجهون ارتفاع كراهية الأجانب في الدول الشيوعية السابقة في أوروبا. السياسة تبدو أي شيء عدا أنها في وضع طبيعي.
الانهيار وفترة الركود اللاحقة حطّمت الثقة بجيل من القادة السياسيين. وجميع الخزعبلات التي تعلموها عن الرأسمالية المالية الجديدة والأسواق ذاتية التوازن ونهاية فترة الازدهار والكساد تبين أنها خزعبلات أيضا. بعد مرور سبع سنوات عاد المصرفيون للاحتفال مرة أخرى، ونجوا بشكل عام من العقاب. لكن هذا لم يكن حال السياسيين الذين آمنوا بالدعاية الخاصة بهم وتقبلوا سياسة عدم التدخل، التى فرضتها واشنطن ومؤسساتها، على أنها نهاية التاريخ. نجت الرأسمالية من الانهيار لكن على حساب انهيار الثقة في النخب الحاكمة.
يظهر تقرير صادر عن مركز بيو للأبحاث في الولايات المتحدة أن أقل من خمس الأميركيين يثقون بأن الحكومة في واشنطن قادرة على «فعل الشيء الصحيح» في جميع أو معظم الأوقات. وعندما طرح مركز بيو هذا السؤال أول مرة في عام 1958 وضع ثلاثة أرباع الأميركيين ثقتهم بالسياسيين. وكان تقلص الثقة أكثر وضوحا بين الناخبين الذين يميلون للحزب الجمهوري. وهنا يكمن أكثر من تفسير للجاذبية التي لا يمكن تفسيرها التي يحظى بها شخص مثل ترامب.
لقد كان الأوروبيون دائما أكثر ميلا من أبناء عمومتهم الأميركيين لوضع الثقة في الحكومة، لكن نسبة الناخبين في الاتحاد الأوروبي الذين «يميلون الى الثقة» بالقادة والبرلمانات الوطنية تبلغ أقل من الثلث. وبعبارة أخرى، تظهر استطلاعات «يوروباروميتر» المنتظمة أن أكثر من الثلثين متشككون، والعديد منهم يشككون بعمق، فيما يسمعونه من الطبقة السياسية الراسخة. انقسمت السياسة وتفككت، الأمر الذي وضع أحزاب الوسط تحت الضغط. ربما لأنه ينظر اليهم على أنهم المديرون الأكثر كفاءة لاقتصاد السوق، وأضحى الذين على يمين للوسط أفضل قليلا من الذين يميلون لليسار.
شكلت العولمة ولفترة طويلة من الزمن مصدرا لزيادة عدم المساواة. تراكمت مكافآتها على نحو غير متناسب في فئة الـ %1 الأكثر ثراء. والدخل العادي أو المتوسط على جانبي المحيط الأطلسي في حال ركود منذ ثمانينات القرن الماضي. سياسيا، المصرفيون الذين يكسبون الملايين من المعاملات غير المجدية اجتماعيا والمديرون التنفيذيون للشركات الذين يدفعون لأنفسهم حسب ما يرغبون كان أمرا يمكن تحمله عندما كانت الاقتصادات مزدهرة. لكن الانهيار جاء ليزيل الغموض ويظهر أن العولمة، بالنسبة لمعظم الناس، هي مصدر الانعدام الحاد للأمن.
في أوروبا، تضخمت الضغوط بسبب الاخفاق في تحقيق التوازن بين التقشف والتضامن ضمن المشروع نصف المنتهي للاتحاد الاقتصادي، وفي الآونة الأخيرة، بسبب تدفق موجات اللاجئين الفارين من ويلات الشرق الأوسط. وزادت الاعتداءات الارهابية في باريس من المخاوف نفسها.
ولا ينبغي أن يستغرب أحد من أن الشعبويين من اليسار واليمين لديهم جمهور يتقبل وعودا باغلاق الأبواب أمام العالم الخارجي.
مع ذلك، كراهية لوبان وأمثالها للأجانب لاتقل بغضا وبشاعة. كما هو الحال مع الحلول الموعودة التى لاتمثل شيئا سوى أنها عقيمة ولاقيمة لها. حتى أكثر الدول قوة ونفوذا لا تستطيع أن تكون من الخبراء والأسياد الوحيدين للأمن الاقتصادي والمادي لمواطنيها. ومن اللافت للنظر مدى عمق توغل العداء. اليساريون ليسوا وحدهم في ادانة والشكوى من الظلم المزعوم للعولمة. المشككون في الاتحاد الاوروبي الذين يميلون لليمين ويريدون أن تترك بريطانيا الاتحاد الأوروبي يقولون انهم يحاربون «الشركات الكبرى والبنوك الكبرى والسياسة الكبيرة».
لقد تعلمت انجيلا ميركل أنه لا توجد سوق للواقعية الشجاعة. المستشارة الألمانية هي القائدة الوحيدة التي تحتل مكانة مرموقة ورفيعة في أوروبا. لكن إثارتها واستحضارها للقيم الأوروبية في مسألة الترحيب باللاجئين السوريين جلب لها التآمر بدلا من الاستحسان بين زملائها في الحزب الديموقراطي المسيحي.
أن تأثير رفع الفائدة الأميركية بنسبة 0.25% سيكون قويا خاصة على البلدان الناشئة، حيث تعتبر عملاتها عرضة لارتفاع الدولار، وتشديد شروط السيولة في الولايات المتحدة، ورصد محللون قرار رفع الفائدة الأميركية وتداعياته من عدة زوايا واسعة.
وفي تقدير جوزيف ستيغيتز الحائز جائزة «نوبل» في الاقتصاد أن هناك احتمالات لتشديد السياسة النقدية بشكل أسرع من المعلن، حيث إنه بدلا من محاولة السيطرة على التضخم يسعى المركزي الأميركي للحد من البطالة ومكافحة عدم المساواة في الدخول.
وأضاف أن تحقيق ذلك يتطلب من الاحتياطي تحفيز الاقتصاد الأميركي عن طريق «الأموال السهلة»، وهو ما يجعل خطوة رفع معدل الفائدة بنسبة 0.25% أمرا خطيرا وسابقا لأوانه. وان الاحتياطي الأميركي سيعتمد سياسة التدرج في تشديد السياسة النقدية، لتجنب الإضرار بالأسواق الناشئة المثقلة بالديون الدولارية.
وقرار السياسة النقدية الأميركية كان مدفوعا بالوضع في الصين، خاصة مع سعي بكين لاستقرار قيمة اليوان.
في حين يعارض مصرفيون قرار رفع الفائدة الأميركية معتبرين أنه «سابق لأوانه»، قائلين إن استمرار سياسة التشديد النقدي في الولايات المتحدة يهدد بمشاكل خطيرة للاقتصاد العالمي خاصة الأسواق الناشئة بسبب الديون الهائلة للأسر والشركات والحكومات.
ويرى العديد من الاقتصاديين أن الاحتياطي الفيدرالي كان عليه رفع معدل الفائدة في وقت سابق، وهو ما يستدعي التحرك بشكل أسرع مما هو مخطط له.
ويعترض على ما تعتبره «إلهاء الدولار»، مشيرة إلى أن الاحتياطي الفيدرالي انحرف عن هدف مكافحة التضخم بسبب مخاوف غير مبررة خاصة بقوة الدولار.
كما يشير ستيفن روتش كبير الاقتصاديين السابق لدى «مورجان ستانلي» إلى أن الفيدرالي الأميركي أخطأ في إبقاء معدل الفائدة منخفضا للغاية لفترة طويلة، ما تسبب في عدم الاستقرار المالي.
ويقول الاقتصاديون انه من المبرر زيادة أسعار الفائدة استجابة لطفرة الائتمان، رغم استمرار التضخم دون المستهدف، كما يحذر الحائز على جائزة نوبل روبرت شيلر من أن الفائدة المنخفضة خلقت فقاعات في العقارات والأسهم والسندات طويلة الآجل، ما قد يتسبب في أزمة اقتصادية.
ويوضح كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد كينيث روغوف أن أسعار الفائدة الأميركية ستبقى منخفضة حتى في حال إقرار عدة زيادات بنسبة 0.25%
ويجمع الاقتصاديون تقريبا على أن آثار رفع الفائدة الأميركية ستظهر بشكل أكبر خارج الولايات المتحدة، حيث يشير جيفري فارانكل من جامعة «هارفارد» إلى احتمالية تكرار سيناريو عامي 1982 و1994 حينما تسبب تشديد السياسة النقدية الأميركية في التعجيل بأزمة مالية في البلدان النامية.ويرى خوسيه أنطونيو وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية سابقا أن الأزمة تتمثل في الهيمنة العالمية للدولار الأميركي، وهو ما سيتسبب في تأثر مفرط للسياسة النقدية في الأسواق الناشئة.
وعلى المدى القصير، قد يعني دخول اليوان لسلة عملات احتياط حقوق السحب الخاصة إقناع الأسواق بأن خفض قيمة العملة الصينية في أغسطس الماضي لم يكن بداية لهبوط كبير، وهو ما سيخفف من الضغوط الهبوطية لعملات الأسواق الناشئة خاصة في آسيا.
فيما يخص الوضع في الولايات المتحدة وأوروبا، يعتقد معظم المحللين الماليين أن رفع الفائدة الأميركية سيكون له تأثير محدود على النشاط الاقتصادي بشكل مباشر، إلا أن شيلر يبدي قلقه بشأن تراكم الديون وارتفاع أسعار الأصول في البلدان المتقدمة.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :