أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات المحبطون يصنعون العجز و الهزيمة

المحبطون يصنعون العجز و الهزيمة

25-06-2015 12:35 PM

د.رحيل الغرايبة
ليس هناك أشد ضرراً على الأمّة من تسيد لغة الإحباط واليأس، ومن بروز دور المحبطين العاجزين الذين يتقنون بث روح الهزيمة في صفوف الجماهير، من خلال نفوسهم المعتمة وصدورهم الضيقة، وهممهم الخائرة، التي تبث طاقة سلبية في الوجود من حولهم، وفي كل المجالس التي يتصدرونها وفي كل فضاء تصله كلماتهم. نحن نعيش ظروفاً صعبة، مليئة بعوامل الحزن والكآبة، ولكن ينبغي عدم الاستسلام لها، وعدم الذهاب إلى مجالس اللطم وندب الحظ، التي تدعو إلى القعود والارتكاس في حمأة الإحباط واليأس القاتلة، ويجب عدم الاستغراق في أدب المحنة وقصائد الهجاء، التي تقتل العزائم وتحبط الهمم وتسد منافذ الأمل، وتحجب النور، وتغلق النوافذ بستائر قاتمة سوداء. نحن بحاجة للباحثين عن نوافذ الأمل وبصيص النور، وبحاجة لأصحاب الهمة الذين لا ينكسرون أمام الشدائد، ولا تلين قناتهم أمام مطارق المصائب، وتنتصب قاماتهم وسط الرّماد، يبثون الأمل وينشرون نسائم التفاؤل ويمسحون على الجراح، ويعلنون وقوفهم الشامخ وعزمهم على المضي في معركة البناء، فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- أشد الناس مقاومة لمنهج العجز والإحباط الذي يثير كوامن اليأس في النفوس، ولذلك عندما اشتد الضيق بالصحابة يوم (الأحزاب)، وجاء خبر نقض العهد لبني قريظة أرسل سعداً لاستطلاع الخبر ثم قال له : إذا كان الخبر كاذباً فأعلن في الناس، وإذا كان الخبر صحيحاً فأومئ لي إيماءة أفهمها، ولا تشيع في الناس الخبر، لأنه كان حريصاً على معنويات أصحابه من أجل الإبقاء على جذوة الأمل مشتعلة في المجتمع، حتى يبقى قادراً على الصمود والمقاومة. وعندما جاء سعد وقد تيقن من الخبر، قال: يا رسول الله :»عضل والقارة»، فصاح الرسول مستبشراً: الله أكبر أبشروا.. لقد فتحت قصور كسرى وهرقل. إن الإمعان والمبالغة في نشر لغة اليأس، يؤدي إلى سيادة الإحباط، التي تشكل بيئة خصبة لاستنبات بذور التطرف والعنف التي تسلك مسالك الانفعال والتوتر، وتبتعد بالجيل عن منهج البناء القائم على حسن النظر والإعداد طويل الأمد للأمة، ويجعلهم أسرى لمنهج النزق والانفعال الذي لا يأتي بخير. فهم الواقع ضرورة، والوقوف على التفاصيل الدقيقة حاجة ملحة، والقدرة على قراءة المشهد بدقة وعين صائبة خطوة مهمة لا يمكن القفز عنها، ولكن هذه المعرفة العميقة للحقيقة ينبغي أن تؤدي إلى تفكير هادئ وإعمال للعقل، وتخطيط علمي سليم، ويجب ألا يؤدي إلى صراخ وانفعال واستعمال للغة الردح التي تعد سمة من سمات الأفول. نحن بحاجة إلى ذلك المنهج الذي يجعل الناس مشاركين في حمل هم مجتمعاتهم، وإدارة شؤون أنفسهم، والبحث عن أدوارهم الايجابية، ولسنا بحاجة إلى تخريج عدد كبير من البكائين الناقمين، ولا إلى عدد كبير من المصفقين المتزلفين في الوقت نفسه. فإذا رأيت الرجل يتقن توجيه اللوم للآخرين، ويكثر اللعن والشتم والردح فاعلم أنه من شريحة العاجزين وغير القادرين على العمل، وإذا رأيت الرجل يكثر من التصفيق وكيل المديح فاعلم أنه من شريحة المنتفعين والمنافقين، ولذلك نحن بحاجة إلى فئة أخرى تفكر بهدوء وتعمل بهدوء، وتبني بهدوء، ولكن بعزيمة كالحديد، وتملك بصيرة ثاقبة وأملاً فسيحاً. -





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :