أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية لقاء الشاهد الساكت:كوادر أساسية في الدولة مسكونة بعقلية...

الساكت:كوادر أساسية في الدولة مسكونة بعقلية عرفية ترفض العمل الحزبي

02-09-2021 03:59 PM
الشاهد -

ربى العطار 

تصوير:سند العبادي 


ضيعنا في ظروف تاريخية فرصا لن تتكرر لبناء العمل الحزبي

التجربة السياسية الجيدة تبنى على رؤى واقعية وليس على القوانين فقط


يجب إعادة النظر في التقسيمات الإدارية وتشكيل الأقاليم لضمان تطبيق اللامركزية


لم نصل إلى حاله يمكن أن تفرز فيها الانتخابات غالبية لتمثيل المصالح والاتجاهات

 

عميد الإدارة وفنونها، قيادي بالفطرة، صاحب نظرة شمولية للقضايا والأحداث، مستشرفٌ للمستقبل من الطراز الرفيع، ومهندس مشروع هيكلة الرواتب.
معالي العين مازن الساكت، رئيس اللجنة الإدارية في مجلس الأعيان، لم يرتبط بمفهوم العشيرة، ولم تؤطره القريه ولا البلد، فهو ابن الطفيلة وسندباد المحافظات، وسفير البلاد العربية.
درس في عمان، لكنه اختار منطقة البلقان لدراسة الهندسة، فكانت جمهورية يوغسلافيا الاشتراكية الاتحادية وجهته.
بعد نكسة حزيران عام 1967، انتمى لحزب البعث الاشتراكي شأنه شأن كثير من الشباب الذين اصبح لديهم اتجاهات سياسية واضحة، فتطوع بالمقاومة، فكانت بغداد وجهته الجديدة التي تدرب فيها، ودرس فيها الإدارة والاقتصاد، لكنه قضى معظم وقته في تلك الفترة ببيروت لأنه كان سكرتيراً في قيادة الاتحاد العام لطلبة الاردن الذي كان له 36 فرع في العالم وترأسه لاحقاً، وقد حقق ذلك الاتحاد أهم رد فعل ايجابي بعد أحداث نكسة حزيران، ومعركة الكرامة، وأحداث أيلول، وذلك في المؤتمر التاريخي الذي عقد في مخيم عين الحلوة الفلسطيني في صيدا بلبنان عام 1971 ، وكان من أبرز أعضائه الدكتور فايز الحوراني، وجريس حداد.وصالح قلاب ويوسف الحسبان ومشيل النمري.
وقد ساهمت لبنان في نحت شخصية الساكت السياسية والثقافية، فبيروت كانت ولازالت مركزاً مهما للنشاط الثقافي والسياسي والآدبي والفني، وكان اتحاد الطلبة هناك يحتضن تآلف السياسة بين البعثيين واليساريين والديمقراطيين، وبين تنظيمات فتح والشعبيين، مما كان له الأثر في صقل مهارات الحوار والتعايش لدى الساكت في ظل تلك التعددية، بالرغم من وصف تلك الفترة بالصخب، فقد كانت تعج بالأحداث الكبيرة مثل حرب تشرين والدخول السوري على لبنان، والحرب الأهلية اللبنانية و النزاع الفلسطيني اللبناني.
عاد شيخ السياسين مازن الساكت إلى بغداد في عام 1974 بعد أن أنهى دراسته، والتحق بمكتب الشباب والطلبة ليكون مسؤولاً عن العلاقات الخارجية لغاية 1980، لكن تلك الفترة شهدت إشكاليات عديدة كان من ضمنها مشكلة منيف الرزاز بعد تداعيات ما سمي بانقلاب 1979 ، وهناك تفاصيل أخرى عديده تعبر عن مواقف كبيرة لمازن الساكت في تلك الفترة تضمنتها مذكرات غير منشورة للراحل مؤنس الرزاز.
ولأن الساكت مغرم بالثقافة ورفع منسوب المعرفة، سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال دراسته ولتعلم اللغة الإنجليزية ، وكان لعلاقاته دور هام في تعيينه بإدارة الإعلام في جامعة الدول العربية بتونس، ومن ثم في فريق البحوث بمكتب الأمين العام شادي القُليبي حينها.
عاد الساكت إلى الأردن في 1987، لكنه وبسبب نشاطه السياسي لم يجد سبيلاً للعمل في القطاع الحكومي فعمل لدى بنك البتراء، ثم مديراً عاماً ورئيس مجلس إدارة للسيفوي، ثم مساعدا لآمين عام في وزارة المياه، وبعدها استقال واتجه للعمل في القطاع الخاص، فعمل مدير عام في شركة أقمشة.


جاء العام 2003 وكان عاماً مختلفاً، فقد تعين الساكت رئيساً لديوان الخدمة المدنيةحيث بقي لمدة تجاوزت 8 سنوات، وهي أطول فترة لرئيس في هذا الموقع الذي له تماس مباشر مع حاجات الناس والمجتمع، واستطاع خلالها تسجيل انجازات غير مسبوقه في ديوان الخدمة المدنية الذي لم يكن يلقَ الاهتمام ويتم النظر إليه نظرة دونية باعتباره مجرد أرشيف لطلبات التوظيف ، فأصبح للديوان دور أساسي في عهد الساكت، تمكَّن فيه من رفع امكانيات تلك المؤسسة بما فيها تكنولوجيا المعلومات، حتى أنه ساهم بفعالية في تطوير الأنظمة والتشريعات مما كان له الدور في ضبط مسألة التعيينات التي أصبحت تحت إشراف ديوان الخدمة.


وفي عام 2007 عمل الساكت على مشروع إعادة هيكلة الرواتب، والذي كان بتكلفة 36 مليون دينار، وأهم ماجاء فيه أن الراتب الأساسي الذي لم يتغير منذ عشرين عاماً تم رفعه إلى الثلث لأن أهمية الراتب الأساسي تكمن في احتساب الراتب التقاعدي على أساسه، وتم ايضاً تحسين رواتب الأمناء العامين.


وفي عام 2011 تم تعيين الساكت وزيرا لتطوير القطاع العام ووزيرا للتنمية السياسية في حكومة الدكتور معروف البخيت، والذي شهد تقديم مشروعين في غاية الأهمية للقطاع العام هما (مشروع هيكلة الرواتب ومشروع هيكلة المؤسسات) ولأن تلك المشروعات من صلب اهتمام الساكت بحكم طبيعة عمله في ديوان الخدمة المدنية، استطاع تسليمها لرئيس الحكومة في الوقت المحدد، ومشروع هيكلة الرواتب كانت كلفته المحددة 78 مليون وأحدث ضجة شعبية وإعلامية كبيرة، لكن الناس لم يتفاعلوا باهتمام مع مشروع هيكلة المؤسسات، الذي تم خلاله الغاء أو دمج 19 مؤسسة مستقلة.
وقد شهدت تلك الفترة مرحلة الربيع العربي، مما زاد العبء على تلك الحكومة وأثقل مهامها، في صلبها مهمة الأمن الوطني والاستقرار، والحوار مع القوى السياسية وبرامج الإصلاح، فتم تعيين الساكت وزيراً للداخلية في شهر تموز من نفس العام، وكانت مهمة صعبة وحساسة بسبب توتر الوضع الأمني، اعتمد فيها نهج الحوار مع الأحزاب والقوى والاتجاهات المختلفة، مع التأكيد على ضرورة عدم تجاوز السقوف التي تحديدها مثل منع التخييم في ساحات الاعتصام وعدم تجاوز السقف الدستوري والإساءة لجلالة الملك ومؤسسة العرش.

 

وفي حواره مع "الشاهد"، عبر الساكت عن أسفه بأن تأثير الربيع العربي جاء في وقت لم يكن لدينا قوى ذات برامج وطنية وتقدمية ديمقراطية، فكان هناك فراغ في الساحة باستثناء الاتجاه الإسلامي الذي قاد نتائج الربيع العربي سواء بالانتخابات مثل مصر، أو بالبندقية مثل سوريا، وكلا النموذجين لم يقدما حلولاً، وكانت نتائج الربيع العربي مأساوية أفضت إلى القضاء على ما يقارب 4 دول ودمرتها بشكل كامل وأعادتها إلى مرحلة ماقبل تأسيس الدولة.
وأشار الساكت إلى أن ثقافة الحكمة والتسامح وطبيعة النظام الذي يحكمنا مكنتنا من النجاح في تخطي الأزمة فلم يشهد ربيعنا دما، حتى الحركة السياسة لم يتخللها أي عنف، لذلك تجاوزنا الأزمة بسلام، بالَاضافة لبرامج الإصلاح التي تم تتويجها بتعديلات دستورية جوهرية.


يؤكد الساكت على أن العمل الحزبي هو الحالة التنظيمية الأرقى في المجتمع للتعبير عن المواقف والمصالح، مضيفاً بأن دولاً كثيرة من العالم انبثقت أحزابها من خلال النقابات، إلا أن الأردن حالة فريدة من نوعها لأن تشكيل الأحزاب سبق تشكيل النقابات، و ما يميز الأردن هو حالته السياسية النشطة التي شهدها في الخمسينيات والستينيات، لكنه كغيره من دول العالم يتأثر بالأحداث والتطورات العالمية، وبالتالي العمل السياسي التقدمي وصل إلى نقطة اصطدم فيها بموضوعات أساسية كالحريات والديمقراطية والرخاء حتى بالاتحاد السوفياتي، بالاضافة للهجوم المنظم من قبل المعسكر المضاد وهو المعسكر الرأسمالي، لذلك فشلت التجربة وانهارت المنظومة وتأثرت المنطقة، وفي الثمانينات بدأت تنمو داخل رحم الأحزاب وبين صفوف الحزبيين اتجاهات بتبنى الديمقراطية بشكلها حتى الغربي.


ويذكر الساكت أنه في 1989 قام الملك الحسين رحمه الله المعروف عنه استشرافه للمستقبل بإعادة تفعيل الدستور والعمل الحزبي والبرلماني وكانت قد ولدت لدينا فرصة لبناء حياة سياسية جديدة تأخذ بعين الاعتبار تجارب الماضي، ورؤى الحاضر والعمل على تجديد البرنامج، ولكن للأسف الفرصة لم تنجح لأسباب متعددة، منها، أن المناخ الديمقراطي لم يكن مكتملاً، فالأحزاب أخذت فسحة من الحرية لتصدر ببياناتها التي تتضمن رفع السقوف والاساءه احيانا ، وكذلك السلطة تعاملت مع الديمقراطية كديكور وبرواز، وأضاف بأن العمل الحزبي في الأردن ظهر في ثلاث اتجاهات، الاتجاه الأول هو الأحزاب التاريخية، مثل البعث والشيوعي، وتيار الإخوان المسلمين، والاتجاه الثاني هو الوسطي الذي بني من السلطة أو بمساعدتها في معظمه، والاتجاه الثالث من كوادر حزبية وقوى سياسية سابقة حاول أن يبني تجربه جديدة لكنه استمر مسكوناً بالفكر القديم وأشكال قديمةمن العمل والبرامج، واستمرار الخلافات بين الاتجاهات، وقد تعاملت السلطة مع العمل الحزبي بتعامل مخالف ومعاكس لما يطرحه النظام السياسي لبناء التجربه الديمقراطية فقد استمر التضييق على الأحزاب واعضائها، والعقلية العرفية التي بقيت مسكونة بعقول بعض الكوادر الأساسية في الدولة ضد العمل الحزبي، مما اسهم في ضياع فرصه بناء حياه سياسيه هذه المرحلة.


و أوضح الساكت بأن سقوط الاتحاد السوفيتي والدخول في عصر العولمة والنظام العالمي الجديد، أدى إلى هيمنة قوى واحدة في العالم، فرضت برامجها الاقتصادية ورؤاها وقوانيها إلى اليوم بسبب عدم دراسة تلك الأحداث في الفكر السياسي، والأردن تأثر من ذلك فشهدنا تراجعاً في تقدم مسيرتنا الديمقراطية، وأضاف أن الأردن رغم نشاط العمل الحزبي فيه بمنتصف القرن الماضي إلا أننا لم نتعلم بناء الأحزاب لكننا تعلمنا بناء فروع الأحزاب، فالنظرية جاهزة والتنظيم جاهز والنظام الداخلي جاهز فكان لدينا فرع للبعث وفرع للشيوعية وفرع للإخوان المسلمين، بقوالب جاهزة، وشعرنا بالضعف عند المرحلة الجديدة لعدم توفر كوادر فكرية وتنظيمية.
وعبر الساكت عن خيبة أمله من عدم قدرة الحراك الشعبي في اسغلال فرصة الربيع العربي كظرف تاريخي لوضع الخطوط الواقعية لبناء عمل حزبي حقيقي أو شيء جديد أكثر وعيا وأكثر قدرة على استشراف المستقبل، مبدياً أسفه من قدرة العقل العام على ابتلاع تلك الطموحات، وتعامل الدولة واجهزتها في كل المنطقة وليس فقط في الأردن أفسد امكانية الوصول لاتجاه يخدم عمل حزبي وسياسي ناضج، وتحولنا لمجموعة حراكات مناطقية وجغرافية وفقدنا الزخم في الحراك، وبالرغم من ذلك استطعنا الوصول إلى مساحة من الحريات في التعبير والنقاش، وعززت التكنولوجيا من ذلك، منوهاً إلى أن بعض الحريات كانت (فلتانه) وغير موضوعية، حتى أن مواقع التواصل الاجتماعي حرمت بعض الكفاءات من الكتابة والتعبير عن وجهة نظرها كي لا تواجه السب والشتم والاتهامات على تلك المواقع.


وشدد الساكت على أن الأردنيين أمام فرصة تاريخية يجب استغلالها تتمثل في تشكيل اللجنة الملكية للحوار، فهي تأتي في ظرف تاريخي يساعد في نهوض الواقع السياسي مرة أخرى، متمنياً في أن تكون مخرجات اللجنة مبنية على رؤى واقعية تؤسس لتجربة سياسية جيدة وأن لا تُبنى فقط على قوانين، فالقوانين لا تحرز تقدما، مع الحرص توخي الواقعية وتنفيذ البرامج بشكل علمي ودقيق في فترة زمنية قابلة للقياس .

 

أما عن التفريق بين اللامركزيه والادارة المحلية والحكم المحلي، فقد بين الساكت أن لكل مصطلح مفهومه القانوني والإداري والاقتصادي والسياسي، مشيراً إلى أن اللامركزيه التي التي عشنا تجربتها فهي تنظيم إداري للصلاحيات وممارستها، تفترض انها نقلتنا من تجربه تفويض الصلاحيات التي لم نقم بتقيمها، إلى تجربه انشاء الصلاحيه بالقانون، موضحاً بأنه لابد من فهم متطلبات الاداره المحليه وشروط نجاحها للانتقال إلى هذه الحاله من الاداره والمشاركة المؤسسيه، وهي توفر الموارد في المساحه الجغرافيه والقوى البشريه التي تمكن من وضع خطط وبرامج تنمويه وتنفيذها.
وأكد الساكت أن هذه المتطلبات والشروط وتوفرها في الواقع الأردني يقودنا إلى الحديث عن ضعف أو عدم توفر التقسيمات الاداريه الحاليه للمملكة ومحافظاتها والى ضروره إعادة النظر فيها باتجاه شكل من أشكال تقسيم الأقاليم التي توفر تلك الشروط والمتطلبات، قبل البحث في الصيغ القانونيه والمؤسسيه والإداري للامركزيه والحكم المحلي.

 

وأضاف الساكت، أنه لغاية الانتقال من صيغه التفويض، إلى حاله انشاء الصلاحيه (المنصوص عليها بالقوانين والانظمه)، لابد أن نبدأ بالادارات التنفيذيه للمناطق والتقسيمات المعتمده للاداره المحليه، مثل الاشغال والتربيه والتعليم والمياه، لانه بدون ذلك تبقى المركزيه قائمه بغض النظر عن التسميات والمجالس، ويبقى اتخاذ القرارات مرهوناً بالعوده لمراكز الوزارات والمؤسسات، كما أن توفر الكادر البشري المؤهل والمدرب لوضع المشاريع والبرامج والموازنات هو متطلب اساسي للاخذ باللامركزيه والحكم المحلي، وبغير ذلك تبقى حاله شكليه تعتمد مجبره على المركز في الدراسات والمشاريع ووضع البرامج والموازنات، وهو ما يطرح اهميه عمليه التدرج المحلي لإنجاز توفير الكوادر البشريه المؤهله.


وأوضح الساكت إلى أننا ذهبنا في القانون الحالي لمجالس المحافظات إلى صيغه الانتخابات المباشرة، ومع الإقرار بأن الانتخاب المباشر هو الصيغه الأكثر ديمقراطيه في التمثيل الا ان واقع مجتمعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي لم يصل بعد إلى حاله تفرز الانتخابات العامه فيها غالبية لتمثيل المصالح والاتجاهات والكفاءات، ناهيك عن إهمال دور البلديات كمؤسسات رئيسيه في الادارة المحليه والتي يعتمد نجاح اللامركزيه على تطوير دورها ومهامه.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :