أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات مقايضة روسية اميركية حيال اوكرانيا وسورية !؟

مقايضة روسية اميركية حيال اوكرانيا وسورية !؟

20-03-2014 11:13 AM

بقلم : عبدالله محمد القاق
في الوقت الذي حذر فيه الرئيس الاميركي اوباما روسيا باتخاذ اجراءات عقابية ضد ها اذا ما اقدمت على اجراء استفتاء لشبه جزيرة القرم تواصل روسيا اجراءاتها لانجاح هذا الاستفتاء والعمل على تحرير الجزيرة من حكم اوكرانيا وجعلها تتمتع بحكم ذاتي تحت وصاية روسية باعتبارها خزان النفط والغاز والثروات الطبيعية لاوكرانيا . فالأزمة الأوكرانية توصف بأنها إحدى أخطر الأزمات بين الغرب وروسيا منذ سقوط جدار برلين عام 1989، ويصفها وزير خارجية بريطانيا وليام هيغ بأنها أزمة القرن 21 في أوروبا، هذه الأزمة التي وضعت روسيا في مواجهة مزدوجة مع أوروبا والولايات المتحدة. لاسيما وان تطورات هذه الأزمة سترسخ ملامح المواجهة وقواعد اللعبة الدولية الجديدة ومدى قدرة كل طرف وحدود هذه القدرة في صراع مفتوح لن يهدأ في المدى المنظور ويلقي بظلاله على أزمات وملفات أخرى تتشابك فيها علاقات ومصالح وسياسات. والواقع أن موسكو تواجه وضعا حرجا مع خيارات صعبة ومحدودة، لا يخفيه استعراض القوة العسكرية الذي بدأته فمن جهة لا يمكن لروسيا أن تتساهل وأن تظهر مؤشرات ضعف وتردد ازاء أوكرانيا التي تقاسمت مع روسيا في القرن الماضي نواة الاتحاد السوفييتي والتي تشكل بوابة روسيا على البحر الأسود وعلى عدة دول في أوروبا الشرقية. ومناطق واسعة من أوكرانيا لاسيما الجزء الشرقي منها تشكل امتدادا حقيقيا وطبيعيا للجزء الغربي من روسيا الذي يحتضن العاصمة موسكو. كما أن 85% من الغاز الروسي يمر عبر الأراضي الأوكرانية. أما شبه جزيرة القرم التي تتمتع بحكم ذاتي، فإن لها أهمية استراتيجية قصوى بالنسبة لروسيا التي أرسلت قواتها فورا إليها وبمجرد سيطرة الأوكرانيين الموالين لأوروبا على كييف.
«القرم» قاعدة روسية عسكرية متقدمة واقعة بين البحرين الأسود و«أزوف»، وهي التي احتضنت مؤتمر يالطا الشهير قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية الذي وضع أسس عملية تقسيم أوروبا.
وأكثر من 50% من سكان القرم هم من الإتنية الروسية بينما 30% هم من الأوكرانيين والباقون هم من «التتار المسلمين».لذلك، فإن موسكو لا تتقبل فكرة عبور أوكرانيا الى أوروبا ووقوعها تحت تأثير الاتحاد الأوروبي ومن خلفه حلف شمال الأطلسي الذي يصبح مقيما داخل حديقتها الخلفية. اما من جهة ثانية، تعرف موسكو أن التدخل العسكري المباشر على غرار ما حصل في جورجيا العام 2008 دونه مخاطر ومحاذير، فلا أوكرانيا بحجمها الجغرافي والسكاني مثل جورجيا، ولا الظروف الدولية تسمح بمغامرات عسكرية في قلب أوروبا التي سترد وستلجأ الى شتى أنواع الأسلحة الاقتصادية والتجارية، سيما ان ملامح هذه الادوات بدأت بإظهار فاعليتها، حيث خسرت الشركات الروسية نحو 60 مليار دولار من اصولها وهبطت بورصة موسكو اكثر من 11% في يوم واحد. ولكن حتى في ظل هذه المخاطر والمشاكل التي تعانيها المؤسسة العسكرية الروسية، بحيث لا ترقى بقدراتها الى المؤسسة الأميركية وحلف الأطلسي، فإن موسكو لا يمكنها أن تسلم بالوضع الجديد في كييف ولديها الأوراق التي تلعبها لإبقاء أوكرانيا على صفيح ساخن تواجه خطر التقسيم والحرب الأهلية وتشكل مصدر تهديد لاستقرار أوروبا. روسيا التي بنت سياستها منذ الغزو الأميركي للعراق وصولا الى أحداث ليبيا وسورية على مبدأ عدم التدخل الخارجي العسكري واحترام القانون الدولي، تجد نفسها مضطرة للتدخل وخرق القانون الدولي في أوكرانيا، لأن ما يحدث في هذه الدولة يشكل تهديدا مباشرا لمصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية، ربما تكون روسيا بنت حساباتها على أساس أن التدخل العسكري المضاد من جهة أوروبا والولايات المتحدة لن يحصل، فالاتحاد الأوروبي ابتعد كثيرا عن الخيارات العسكرية، و«أميركا أوباما» أطلقت ما يكفي من مؤشرات تدل الى أنها لا تريد حروبا جديدة وأنها ماضية في استراتيجية انسحابات (من العراق وأفغانستان) وتسويات (مع إيران) تحتاج فيها الى روسيا.
وفي الواقع فإن الأزمة الأوكرانية تسببت في إطلاق موجة جديدة من الانتقادات والحملات داخل الولايات المتحدة ضد سياسة أوباما وما تظهره من «ضعف في القيادة ومن سياسة خارجية غير فاعلة، بحيث لم يعد أحد يؤمن بقوة أميركا»، كما قال السيناتور جون ماكين. وربما يكون الأميركيون والبريطانيون فوجئوا بمنحى التطورات في أوكرانيا ولم يتوقعوا اندفاعا روسيا عسكريا باتجاه أوكرانيا، وأن يقع بوتين في مثل هذا الخطأ، ولكنهم في أي حال غير جاهزين عسكريا رغم أنهم وروسيا جزء من اتفاقية وقعت عام 1994 مع أوكرانيا تنص على أن تكون هذه الدول ضامنة لسلام ووحدة أوكرانيا مقابل تخليها عن السلاح النووي. ثمة حالة استنفار سياسية وديبلوماسية غير مسبوقة في الغرب وتغيير طارئ وشامل في الأجندة وجدول الأعمال، اجتماعات متتالية لـ «الحلف الأطلسي»، اجتماع طارئ لقادة الدول الأوروبية، تلويح بإجراءات عقابية ضد روسيا تشمل خصوصا عقوبات اقتصادية ومالية وعزلة ديبلوماسية ودولية تصل الى حد إخراجها من «مجموعة الثماني». من الواضح أن الغرب يشتغل على «خيارات غير عسكرية» فالأولوية لديه هو الحل السياسي عبر مفاوضات مباشرة بين موسكو وكييف لنزع فتيل الأزمة على قاعدة الاحترام الروسي للسيادة الأوكرانية والاعتراف الأوكراني بالمصالح الروسية، فإذا لم تنخرط موسكو في الحل السياسي، فإن لائحة العقوبات السياسية والاقتصادية جاهزة مع تحريك جزئي محتمل للورقة العسكرية عبر نشر قوات الأطلسي في شرق أوروبا تكون جاهزة للتدخل إذا دعت الحاجة. أوكرانيا في حسابات ومصالح أوروبا والولايات المتحدة ليست بالتأكيد سورية، لذلك فإن المجتمع الدولي الذي لم تحركه الأزمة السورية رغم وقوع مئات آلاف الضحايا، حركته الأزمة الأوكرانية سريعا ودفعت به الى أعلى درجات الاستنفار والتعبئة. والخشية الآن أن تؤدي أزمة أكرانيا الى حجب أزمة سورية وخفض ترتيبها أكثر في سلم الأولويات الدولية، ما يؤدي الى توقف عملية «جنيف 2» المتعثرة أصلا، والى انكشاف الأزمة السورية دوليا بعدما أصبحت مظلة الرعاية الأميركية ـ الروسية مثقوبة، لا بل ممزقة، وبعدما عادت أجواء الحرب الباردة لتضع العلاقات الروسية ـ الأميركية مجددا أمام مأزق تاريخي ولينتج عن هذا الوضع الجديد تصدع المسار الأميركي ـ الروسي حول الحل السياسي والمرحلة الانتقالية في سورية. ومن السابق لأوانه تحديد كيف سيكون انعكاس الأزمة الأوكرانية على الأزمة السورية: هل يتطور الاشتباك الغربي الروسي الى تفاهمات تشمل أوكرانيا وسورية؟ أم يتطور الى تصعيد ومواجهات في أوكرانيا وسورية حيث تتحول موسكو الى «أقصى التشدد»؟ وهل يكون سقوط نظام روسيا في كييف مقدمة لسقوط نظام روسيا في دمشق أم أن اندفاعة روسيا في أوكرانيا توازيها اندفاعة إيران في سورية لتعديل إضافي في الواقع وميزان القوى على الأرض مستغلة الانهماك الدولي في الأزمة الأوكرانية والانصراف عن الأزمة السورية حتى إشعار آخر؟ رئيس تحرير جريدة سلوان الاخبارية abdqaq@orange .jo





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :