أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات أبيض وأسود في أزمة المحروقات

أبيض وأسود في أزمة المحروقات

13-01-2013 03:58 PM

د. محمد طالب عبيدات
أما وقد انجلت وانقشعت “سحابة خريف” أزمة رفع الدعم عن المشتقات النفطية والحمد لله تعالى، إذ غلّب جلّ الأردنيين مصالح الوطن على الدراهم المعدودة التي ستكلّفهم جراء تبعات قرار الحكومة بهذا الشأن دعماً للموازنة العامة للدولة. فقد ظهر جلياً بعض النقاط البيضاء المضيئة إبّان هذه الأزمة وبعض النقاط السوداء المعتمة على السواء، والتي لا بدّ من التعريج عليها.
فقد أثبت الأردنيون –من شتّى المنابت والأصول- بأنهم “على قدر أهل العزم”، وأثبتً الأردنيون الشرفاء أن قلوبهم على وطنهم أكثر من أي شيء، لأن الوطن بالنسبة للجميع هو المظلة التي يستظلّون بظلالها الوارفة، والوطن وفّر لهم الأمن والأمان والحماية الكافية، ووفّر المؤسسات والمنجزات الحضارية. إذ قارن الجميع النعم التي في هذا الوطن بغيره من دول الجوار فوجدوا الخير الكثير فيه، فآثروا الوطن على كلّ شيء.
ولقد فوّت الأردنيون الحكماء والعقلاء الفرصة على كل مراهن أو مزاود أو إنتهازي سواء من الداخل أو الخارج، فاتّقوا الله في هذا الوطن وحافظوا على نعمه الكثيرة وأمنه وأمانه واستقراره، لأن الإنسان لا يشعر بقيمة النعم إلّا إذا فقدها لا سمح الله تعالى!
كما التفّ الأردنيون حول قيادة جلالة الملك المعزز عبدالله الثاني بن الحسين المعظم كثابت وطني راسخ وقاسم مشترك وصمام أمان لكل الأردنيين، لأنها القيادة الأقرب للشعب والقيادة التي تعزّز كرامة الإنسان وتصونها، والقيادة التي تمتلك الشرعيتين التاريخية والدينية. وحافظ الأردنيون أيضاً على وحدتهم الوطنية النموذج وجسّدوها على أرض الواقع.
كما نجحت أجهزتنا الأمنية البطلة في التعامل مع الأزمة بمنتهى الحرفية والمهنية والجهوزية العالية، فحافظت على الأمن وسمحت بتظاهرات التعبير عن الرأي، وحاولت منع العابثين بمقدرات الوطن، وقامت بواجبها الوطني على أتم وجه، فحضيت باحترام القيادة والشعب والعالم بأسره.
في خضم الأزمة العابرة تعمّق إنتماء الأردنيين للأرض الأردنية والوطن الأشم، فبادر الأردنيون كلّ من جهته للحفاظ على أمن الوطن بايجابية، فمنعوا كلّ ناكر جميل أو جاحد أو ظلامي أو مندس أو مثير فتنة من العبث في أمن الوطن، ليضعوا ذلك في ميزان وطنيتهم، لأن من لا تظهر مواطنته في هذه الظروف لا يمكن أن تظهر أبداً.
وبالمقابل فقد سُجِّلت العديد من المتناقضات من “فئة قليلة” تطالب بالتعبير عن الرأي وفق الدستور، ففي حين تجلّت أبهى صور الديمقراطية فيها من خلال التعبير عن الرأي بالإعتراض أو الإحتجاج أو حتى رفض قرار المشتقات النفطية بالتظاهر السلمي، بالمقابل نجد أن بعض “المخرّبين” قاموا بالعبث بالمؤسسات والممتلكات العامة والخاصة ومقدّرات الوطن والخروج عن القانون، وهذا بالطبع يتناقض مع مناداتهم بتخفيض مديونية الأردن ووقف قرار المشتقات النفطية، لأن هذه المؤسسات وُجِدَت لخدمة الأردنيين وتخريب مقدرات الوطن والتي ستكلّف الدولة الأردنية وسيتم تحصيلها من جيوب المواطنين عن طريق الضرائب! فلا فرق بين مَنْ نؤشّر إليهم بالفساد وهؤلاء العابثين بأمن وممتلكات الوطن، لأن في ذلك تعدّ على كلّ الأردنيين لأن مقدرات الوطن حقّ لهم جميعاً!
فالفرق بين إبداء الرأي والحرية المسؤولة من جهة ودعوات الفوضى والخراب من جهة أخرى جلّ كبير، فمَنْ يُكسّر ويُخرّب مؤسسات الدولة والممتلكات العامة أو يدعو لخرابها أو يبرر أفعال غيره في ذلك مطعون في تطلعاته الإصلاحيّة، ومَنْ يحرق الإطارات ويُغلق الطرق العامة ويكسّر الإشارات الضوئية لا يريد خيراً للوطن، ومَنْ يبثّ سموم الفتنة ويدسّ السّم بالدسم ويُحرّض الناس على الفوضى لا يُراهَن على صدقيّته.
لقد آلم خاصرة الوطن كلّ من دعا لإضرابات عامة سواء نقابة المعلمين أو بعض إتحادات طلبة الجامعات أو بعض المؤسسات في القطاع العام، إذ أنهم تجاوزا سقوف قوانينهم التي وجدوا لإحترامها لا للتطاول عليها أو تجاوز صلاحيات أصحاب القرار في هذا الشأن. ونحمد الله تعالى أنهم ثابوا لرشدهم في النهاية ووقفوا في خندق الوطن.
ومع ذلك، كلّنا بالطبع ندرك أن قرار رفع الدعم عن المحروقات كان يجب أن يأخذ الأبعاد السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتربوية والأمنية كافة -وليس الإقتصادية فقط- بعين الإعتبار، ففي ذلك منظومة مؤسسية متكاملة يتحمّل مسؤوليتها الجميع، لأن ذلك من أبجديات حيثيات إتخاذ قرارات الدولة! ومع ذلك تحمّل الأردنيون - رغم معاناتهم- ذلك لأجل الوطن وكلّ ذلك في ميزان وطنيتهم.
وكلنا يدرك بأن الأردنيين هبّوا لنصرة الوطن فوقفوا معه في هذه الأزمة، ونجحت القيادة الهاشمية والأجهزة الأمنية وأجهزة الدولة والشعب في الحفاظ على مكتسبات وأمن الوطن وفوّتوا الفرص على المتربصين في هذا الوطن الأشم.
ففي أزمة المحروقات دروس وعبر كثيرة أعتقد جازماً أن المواطن والدولة على السواء قد استفادوا منها للخروج من الظلام ليروا بصيص النور في نهاية النفق، وأعتقد جازماً أن الحكومات “ستعدّ للعشرة” قبل أن تُرحّل أزمة أو تسترضي أحداً بعد اليوم نصرةً للحق والعدل، وليبقى الأردن منارة عزّ وفخر ولتبقى قيادته الهاشمية محط الإحترام والتقدير!





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :