أخر الأخبار

لوثة لغوية؟

28-09-2016 04:35 PM


ناديا هاشم / العالول
علتنا : تكمن بخلط المفردات .. صحيح ان الخلط يعتبر ضروريا سواء كيميائيا او غذائيا او دوائيا او موسيقيا او فنيا او حتى بالطهي ، وفق تناسق ينسجم مع ذوّاقة الفنون .. فكما للأكل ذوّاقة كذلك للفن له شريحته من الذوّاقة المتخصصة الخ وكلها بانواعها المختلفة تنبثق متدفقة من نبع واحد يطلق عليه الذوْق ..
والذوْق أنواع .. وكلما تعددت حصيلة الفرد من الذوْق بالقول والفعل والسلوك كلما ارتقت روحه الى اعلى مستويات الوعي .. فمثلا نقول : عنده ذوق أدبي رفيع - يعني عنده حاسَّة معنوية تجعل النفس او الشعور يتأثر عند استقباله لأثر فني او ادبي نتيجة ذوقه الفني السليم .. وعادة صاحب الذوق الفني السليم يتميز بدرجة عالية جدا من الإحساس الذي لا يتواجد عند الآخرين ..
ولكيْ يتم الخلط – المزْج- بأي مجال لغوي .. فني .. عملي .. الخ لا بد وان يتم وفق معايير متعارف عليها قديمة او حديثة لتجنًّب الوقوع بالخطأ بعيدا عن الخرابيش والخربشة التي لا تهدف الا للخلط العبثي الصاخب ..
بالمناسبة خرابيش -هي جمع خِرْباش –الإختلاط والصخب .. وخرابيش الخط التي طالما اطلقنا عليها بالصغر "خرابيش الجاج " لأن طائر الدجاج مشهور بخربشاته ،وأما خرابيش الخط هو كل ما كُتِب منه بطريقة سيئة غير منسقة او محددة الشكل ..
فما احوجنا الى التقليل من خرابيش البشر إذ يكفينا خربشات الطيور والحيوانات .. وكمان البشر على آخر الزمن ؟
علما بأن المزّج - الخلْط - مسموح ولكن بحدود وقوانين لئلا الكل يسيح على الكل فيختلط الحابل بالنابل .. إذن لا بد من معايير بمرجعيات موضوعية منطقية علمية عقلانية تختار الأفضل من الماضي والحاضر والمستقبل ..
فمثلا إن لم ندرك المعنى الصحيح لكل مفردة لغوية مهما كانت بسيطة انقلبت لضدها .. ولعل خير دليل وبرهان هو كتاب "الهداية " الذي كان بالماضي يقترن بمادة العلوم الدينية ليكون الهادي المفسِّر للمفردات الواردة بالآيات القرآنية و الأحاديث النبوية الشريفة فكم حفظناها عن ظهر قلب غيْبا - صّما -
ويظهر ان صَّم المعاني بجميع المواضيع بدون استثناء اوقفنا عند حد "فسّرَ الماءَ بالماء "ليعرقل بالنهاية التفكير الموضوعي المنطقي عند نسبة من الأجيال خالقا حاجزا فكريا، مبقيا إياها بزاوية محددة تعجز عن تجاوزها والإنتقال لمرحلة التحليل والابداع والابتكار .
فخلْطُنا الدائم لمعاني المفردات وأبعادها يخلق مصيبة كبيرة اشبه بلوثة عقلية ناجمة عن "لوثة لغوية" ،كلها برمتها تؤدي للخبطة فكرية ينجم عنها لخبطة "موقفية " ثم سلوكية وعملية تصب نتائجها الجهنمية على رؤوس العباد ! وكما يقولون : جاجة حفرَتْ على راسها عفرَتْ ..( ملاحظين ؟ الدجاج له نصيب كبير بحياتنا)!!!! وخير دليل على نتائج لخبطيطتنا هذه هي الربيع العربي فعندما طالبْنا بديمقراطية قلبناها لفوضى " مفكّرينها ديمقراطية "!
ويتأتى الخلط بين الفوضى والديمقراطية نتيجة تهاوننا بوضع المفاهيم على الصراط المستقيم ، فكما بدأنا نخلط بين حسَن الذوق وقليل الذوق وبين الصراحة والوقاحة و بين الحزم والعدوانية و بين الثقة بالنفس وبين الغرور بين الصالح والطالح وبين الوهم والخيال ، انتهى بنا المطاف الى هذا القتل والهدم والدمار معتقدين بأننا سنخلق من محصّلة الدمار ترتيبا وتنسيقا وتطورا !
آه ثم آه !
الحل يكمن بأن ندرك الهدف الأساسي من التعلم والتعليم يعني الإنتقال من مرحلة حمل الشهادة الى تطبيق العلم المكتسَب من المعاهد الأكاديمية والحياتية : سلوكا وعملا وتوجها عبر تفكير علمي موضوعي عقلاني يحترم الآخر ،لنرتقي بعدها لمرحلة الثقافة المتراكمة فترفعنا بدورها عبر قفزة نوعية للوعي المطلوب ..آخذين بعين الإعتبار انه كلما ارتفعت درجة الوعي عند الفرد والجماعة والشعوب سيضمن ارتفاعها درجة تمييزهم للفرق بين الوهم والحقيقة متجنبين الخلط بين المقصود واللامقصود على الإطلاق بالرغم من المسافة القصيرة اللغوية الفاصلة بينهما – اللام - إلا ان الشُّقة بالمعنى شاسعة بينهما ولهذا عند نشوب المشاكل بين المرسِل والمستقبِل كثيرا ما نسمع "مش قصدي هيك" ..
فعلا نعيش همّا "لغويا" عنوانه حوار الطرشان !
فالمطلوب هو هضم العلم تماما والتفاعل معه لننتجه فعلا وسلوكا لنرتقي لمرحلة الوعي ..
وكيف لا؟ والطريق الى ذلك مقفولٌ ..مقفولٌ .. مقفولْ ببوابات الحفظ عن قلب المترصدة بنا ..فما احوجنا للوصول للوعي المُغَربِل لكل شيء بما فيها المعاني والمفردات .. دارت هذه الأفكار اثناء مشاركتي مؤخرا بورشة حوارية : *العلمانية الدولة والديمقراطية*
تمحورت اوراقها ونقاشاتها حول ميزات العلمانية والديمقراطية والدولة الدينية ، والمدنية ، والوطنية ..عبر حوارات بغاية الرقي الفكري تخللتها تساؤلات مغلوطة تخلط بين الفوضى والديمقراطية وبين الكفر والدولة المدنية .. الخ
فاقترحتُ بالنهاية تسميتها "دولة وطنية" ما دام ان الخلط على أشده لنخرج من عنق الزجاجة التي طالت إقامتنا به .. واية زجاجة ؟





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :