أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات ليس المطلوب أن تتخلى عن معتقداتك

ليس المطلوب أن تتخلى عن معتقداتك

07-09-2016 01:14 PM

رحيل غرايبة

لا أطلب ممن يخالفني الرأي، وممن يختلف عني في االدين والمذهب والفكر وجملة المعتقدات أن يتخلى عن دينه وأن يتنكر لمعتقداته ، أو أن ينسلخ من فكره، وفي المقابل لا تطلب مني أن أتنكر لديني وأن أتخلى عن معتقداتي وأفكاري، ولكن جل ما ينبغي أن نتوافق عليه في عالم السياسة وإدارة الدول إيجاد حالة الاحترام المتبادل، والاعتراف الكامل بحقي وحقك في الحياة الكريمة وأن أضمن لك حرية التعبير عن رأيك وأن تضمن لي حرية التعبير عن رأيي عندما تصبح صاحب نفوذ وسلطة.
هذه المقدمة أسوقها في ظل ردات الفعل لمقالة سابقة بعنوان (معركة الشعارات والأسماء) كانت تتحدث عن ضرورة التوافق على مضامين ومعان محددة، فيما يخص الحياة المشتركة بعيداً عن التمسك بالأسماء والمصطلحات المضللة، فهناك من تفهم الطرح وتفاعل معه بشكل إيجابي، وهناك من لجأ إلى منهج التشكيك والطعن في النوايا، تحت عناوين أن صاحب الكلام له منهج سابق لا يخرج عنه في التدين والتمسك بالإسلام، وهنا تبرز المشكلة مرة أخرى في حوار الطرشان، حيث يتم «التغميس خارج الصحن».
المطلوب يا جماعة الخير على وجه الضرورة من أجل الخروج من دائرة الصراع العدمي الذي يجري في مجتمعاتنا، أن ندرك معاني العيش المشترك ومقتضيات الخضوع الطوعي للسلطة الواحدة، التي تتحمل مسؤولية إدارة التجمع البشري الذي يحوي خليطاً من الأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية والانتماءات السياسية والفلسفات النظرية المتباينة.
فالبديهية الأولى التي يتم تجاوزها من بعضهم في هذا السياق تتعلق بضرورة الاعتراف بالاختلاف، وهذا ما تقر به كل العقول وكل الأديان وكل الفلسفات، ويقول الله في هذا الشأن: « وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ «، فليس مطلوباً من رجال الأحزاب وأهل السياسة وأصحاب الفكر أن يجعلوا المجتمع موّحداً على دين أو مذهب أو فكر أو فلسفة، فهذا مناقض للطبيعة البشرية والخلقة الآدمية ومخالف لسنن الكون وطبيعة الدنيا القائمة على الاختلاف، وإنما المطلوب على وجه التحديد هو كيف ندير الاختلاف الموجود في مجتمعنا، ونجعل منه عامل ثراء وغنى وقوة، وليس عامل ضعف وفرقة وتطاحن ذاتي وذهاب نحو الفناء المحتم.
ولذلك ومن هذا المنطلق عندما أعلن تمسكي ببعض الأفكار والمبادئ المتعلقة بإدارة الدولة والشأن السياسي، ومفهوم الدولة المدنية وكيفية اختيار السلطة وممارستها، لا يعني ذلك تخلياً عما أحمله من فكر ومعتقدات، وإنما أبذل جهدي في محاولة البحث عن تلك الصيغة التوافقية التي تعظم مساحة المشترك بين مكونات المجتمع الواحد والشعب الواحد داخل الدولة الواحدة، التي تخضع لدستور واحد وقانون موّحد يحترم كرامتنا جميعاً، ويحقق العدالة بيننا، ويرسي قواعد المواطنة الحقيقية ومبدأ تكافؤ الفرص دون أدنى تمييز قائم على الدين أو المذهب أو العرق أو الفكر أو الأصل والمنبت ، وانا اعتقد جازما ان هذا الطرح من صميم الدين ويتناسب تماما مع مقاصد الاسلام العظيم ولا يتناقض مع قواعده ومنهجه ومبادئه وقيمه.
ولذلك أريد أن أرسل رسالة واضحة لكل المشككين والباحثين عن حفايا المقاصد بان لا يتعبوا انفسهم بالبحث والتحليل .. واقول بكل صراحة أنني لم أتخل عن أفكاري ومعتقداتي ولا أتملق أو أجامل أحداً أو طرفاً في هذا السياق، ولا أطلب من المخالفين والخصوم أن يتخلوا عن أفكارهم ومعتقداتهم ايضا ، وإنما كل ما أطلبه «تعالوا إلى كلمة سواء» من أجل البحث عن أدوات الحياة المشتركة الآمنة، والعمل معاً على حراسة مجتمعنا وأبنائنا من الانزلاق نحو مستنقع الفوضى والفتنة والعنف، التي تحرق الأخضر واليابس كما جرى ويجري فيما حولنا.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :