أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات معركة الأسماء والشعارات

معركة الأسماء والشعارات

31-08-2016 01:36 PM

د.رحيل محمد غرايبة

أغلب الحوارات الدائرة بين أصحاب الاتجاهات الفكرية والسياسية في مجتمعاتنا العربية تكاد تنحصر في لعبة الشعارات المضللة والعناوين الملتبسة والأسماء الضبابية غير منضبطة المعنى ولا المضمون، حيث يتم تعبئة الأتباع والمؤيدين بطريقة تحريضية موجهة بشكل مقصود ، بعيداً عن ملامسة المضامين، ولا تهدف الى بيان الحقيقة ولا تبغى الوصول الى توافقات ضرورية بين المختلفين ، من أجل تسيير شؤون الحياة وتلبية مقتضيات العيش المشترك ؛ في المجتمع الواحد والشعب الواحد داخل الدولة الواحدة على سبيل الضرورة والحتم. هناك فئة تريد البقاء في منطقة الضبابية واللبس عن سبق اصرار، لأنها تجد ضالتها في تجيش العامة، ولا سبيل لبقائها في مواقع الضوء الا من خلال استخدام التحريض والتعبئة والاستثمار في العاطفة، والابتعاد المتعمد عن وضوح مضامين المصطلحات ، وجلاء المعاني وتحديد المواقف ، وهذا السلوك ينطبق على فئات وشرائح وقيادات من مختلف الاتجاهات ، ولا يقتصر على طرف واحد بعينه. وهنالك فئات أخرى عاشت وتقولبت فكرياً وفقأ لأنماط فولاذية قاسية، لا تقبل الحوار على أسس منطقية وقواعد عقلية متفق عليها، ولا ترى العيش الاّ في حدود هذه الاجتهادات وهذه الأفهام التي شاب عليها الكبير ونشأ عليها الصغير، ولا مجال للتفاهم والأخذ والرد ، لانها ترى في ذلك اتهزامية وتخاذلا وخيانة للمبادئ، وبعضها يعده في سياق المجاملة على حساب الدين، وميوعة في قضايا العقيدة التي لا تقبل المساومة. واوضح مثال لبيان معالم هذه المعركة الخاسرة لكل الاطراف في هذه المرحلة مصطلح «العلمانية» أو «الدولة المدنية» على سبيل المثال ، فكل فريق يضع مفهومة الخاض لهذا المصطلح، ويبدأ بالقصف واطلاق الاتهامات، بطريقة غير قابلة للتفاهم أو توقع الاتفاق ، اوامكانية الالتقاء في منتصف الطريق، وترتفع حرارة الخطاب والجدل المحتدم بين الاطراف المتخاصمة الى درجة الغليان، بحيث تصبح النتيجة أنه لا مجال لحياة مشتركة بين المختلفين، ولا طريق سوى الاستئثار بالسلطة واقصاء المخالف، بل ربما يصل الامر، وقد وصل الى استباحة دم المخالف، وشرعنة استخدام العنف من أجل انقاذ الفكرة وحراسة الدين والعقيدة من باب وجهة المتدينين ، أو من أجل انقاذ الحريات والحياة السلمية المدنية من وجهة نظر العلمانيين. ربما لو انتقلنا للحديث عن المضامين والمعاني والمواقف والمقاصد دون خوض في معركة المصطلحات، وبعيدا عن المواقف المسبقة، وبعيداً عن أسلوب التجييش والتعبئة الانفعالية من جميع الاطراف، لكان الأمر أخف وطأة، ولربما وصلنا الى مجموعة توافقات ضرورية ، ومن بين هذه القضايا التي تستحق الاتفاق الجمعي بلا مواربة وبكل وضوح: - هذا الوطن لجميع الأردنيين، ولكل المواطنين، مهما اختلفت الأديان والمذاهب والاقكار والاعراق، ومهما تباينت الاتجاهات السياسية والانتماءات الحزبية، ولكل مواطن مقيم على هذا التراب بطريقة شرعية، حق العيش الكريم وحق ممارسة النشاط الاجتماعي والسياسي والفكري وحق المشاركة في ادارة شؤون دولتهم بكل ابعادها. - المواطنون جميعا يمثلون وحدة سياسية واحدة متضامنة ومتكافلة في اطارالشعب و الدولة، ولا مناص من الخضوع الجمعي للدستور والقانون والنظام، وفقاً لمقتضيات العدالة وعدم التمييز، وكلهم شركاء في الغنم والغرم وفي الحقوق والواجبات على الجملة. - معيار الوظيفة العامة هو الكفاءة والقوة والأمانة، والعلم ومن يملك القدرة على تنفيذ المهمة المطلوبة، ومن يملك القدرة على حل مشاكل الناس ضمن اختصاصة وحدود مسؤوليته، بعيداً عن المظاهر والشكليات وبعيداً عن الاسماء و العناوين والشعارات. - لا سلطة لرجال الدين بهذا الوصف، ولا سلطة للعلماء والفقهاء أيضا بهذا الوصف على المجتمعات والافراد ، فهم وغيرهم من المواطنين سواء امام سلطة الشعب العليا ، ولا يعني ذلك تفويت دورهم في النصح والارشاد والدعوة والتصحيح وابداء الراي ، لكن السلطة بيد الشعب، يختار من يشاء وفقا لمعايير الكفاءة التي يحددها القانون ، ولا يملك أحد الوصاية على المجتمع ولا الوصاية على الحق ولا الوصاية على الدين ولا الوصاية على الصواب، ولكل واحد حرية الراي فيما يقول ويجتهد، وفي حرية عرضه على الجمهور، والقرارفي النهاية للمجموع العام، حسب الدستور والقانون الذي ينظم الحياة. هذه المبادئ السابقة ويضاف اليها مبادئ اخرى عديدة، محل اتفاق بين المختلفين دينياً وفكرياً، فكلهم متفق على حرية التدين والفكر والرأي والضمير، وحق الحياة الكريمة والعدالة، والحساب على المعتقدات في الأخرة لمن يومن بها ولمن لا يؤمن بها. ونحن جميعا نريد تولية المسؤولية للقوي الأمين وللحفيظ العليم، وهذا تحت سلطة الشعب الذي يحتكم لظواهر الأمور والالتزام بالقانون، ونحن جميعاً نريد منظومة القيم النبيلة المستمدة من تاريخنا وثقافتنا المشتركة، وهويتنا الجامعة، ولا حاجة للاختلاف على ما سوى ذلك، ودعونا نتفق على هذا المضمون حتى لو اختلفنا في الاسم والعنوان.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :