أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات الوصفة الفاشلة

الوصفة الفاشلة

24-08-2016 02:47 PM

د.رحيل محمد غرايبة

نصف قرن من الزمان ونيف، انسلخ من عمر الأمة في حياة سياسية غير مجدية، ولم تحقق أهدافها المعلنة وشعاراتها الكبيرة في وحدة الأمة وقوتها وبناء مجدها، بل على النقيض من ذلك تماماً؛ نحن وصلنا إلى حالة سياسية قاتمة وبائسة ومحزنة، وتدعو إلى اليأس والاحباط، حيث زادت معالم الفرقة والتشتت في صفوفها، وزادت حدة الخندقة العميقة بين مكوناتها؛ ما جعل الأقطار العربية الكبيرة تعاني من حروب أهلية دموية مرعبة، فالعراقي يقتل العراقي، والسوري يقتل السوري، واليمني يحارب اليمني، والليبي يمارس حرب فناء وإقصاء لأخيه الليبي، وهكذا دواليك حيث تنقسم الحالة السياسية على أسس مذهبية أحياناً، وعلى أسس عرقية أحيانا، وعلى أسس دينية وسياسية أحياناً أخرى، ما يؤكد أننا أمام تجربة عربية سياسية وحزبية فاشلة بامتياز سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي. لا نملك مزيداً من ترف الوقت لبذل الجهد لإعادة تكرار التجربة الفاشلة مرة أخرى، ولا يعقل أن نمضي عشرات السنوات الأخرى من أجل إعادة إثبات صحة ما تحقق فشله على الأرض ومن خلال التطبيق العملي الواقعي المحسوس والمشاهد لكل الجماهير العربية على امتداد الوطن العربي، إذ ليس معقولاً أن ننتظر تحقيق نتائج أخرى مختلفة للأفكار والأساليب والأدوات نفسها التي تم استخدامها في المرحلة السابقة، وهذا يعني أن نهدر مزيداً من الوقت في المهاترات والمساجلات والجدل العقيم ونحن نسبح فوق بحر من الدم العربي المسفوح ظلماً. وإذا كان هناك حاجة لمزيد من الوضوح وملامسة نقطة الجدل بجرأة، يمكن القول إننا بحاجة إلى تفهم معالم المرحلة الجديدة على صعيد التحزب والتجمع السياسي على وجه التحديد، فينبغي التوافق الواسع الذي يصل إلى حد الاجماع أن الأحزاب المطلوبة يجب أن تبتعد عن التمثيل الديني أو المذهبي أو العرقي أو الجهوي؛ لأن الفكرة الصحيحة الجوهرية للعمل الحزبي يجب أن تتمثل بالتجمع على أسس برامجية تتناول الأحوال المعيشية للمواطنين بشكل شمولي، وعلى أسس برامجية فقط على وجه الحصر والتحديد. لأننا نشاهد الانتخابات التي تجري في لبنان والعراق حيث يوجد أحزاب وقوائم وصناديق اقتراع، ولكن الواقع يقول: السني ينتخب سني والشيعي ينتخب شيعي، والكردي ينتخب كردي، والدرزي ينتخب درزي، والماروني ينتخب ماروني، مما يسفر عن تأبيد مبدأ المحاصصة الذي أدى إلى الخندقة بين مكونات الشعب الواحد وبناء الجدران بين التباينات السياسية، بل أدى إلى شرعنة حمل السلاح وممارسة القتل البشع داخل القطر الواحد والدولة الواحدة والشعب الواحد. نحن بحاجة إلى إعادة المراجعة والتقويم للمرحلة السياسية السابقة، ومراجعة دور الأحزاب السابقة التي أسهمت في تكريس حالة الفرقة والتشتت بين صفوف الشعب الواحد، ولم تستطع أن تتقدم إلى الأمام في تحقيق خطوة واحدة نحو المستوى الحضاري القادر على رفع مستوى الشعوب العربية السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بل أنها أسهمت في الرجوع إلى الخلف، والارتكاس في دركات التخلف المزري الذي ينبغي أن نستنفر جميعاً من أجل تدارك ما يمكن تداركه وانقاذ ما يمكن انقاذه.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :