أخر الأخبار

الانتفاضة

22-10-2015 12:11 PM

د.رحيل الغرايبة
الانتفاض ضد الاحتلال أمر شرعي ومطلوب، لأنه لا يجوز لصاحب حق أن يسكت عن حقة، ولا يجوز له الكف عن المطالبة به، وبذل كل ما في وسعه لاستعادته، ويجب ألا يشعر المحتل المغتصب بلحظة راحة أو استرخاء، فهذا أمر بدهي متفق عليه، لكن في الوقت نفسه يجب أن تكون الانتفاضة ضمن تخطيط محكم، وبرنامج عمل مدروس، قائم على الاستثمار الناجح في كل التجارب السابقة، والاستفادة منها بطريقة ذكية، وهذا واجب جميع الفصائل المسلحة، والمنظمات الجهادية، حتى يكون النضال ضد الاحتلال الاستيطاني وفقاً لعمل مؤسسي بعيد النظر، وليس من باب ردات الفعل المؤقته والهبات العاطفية غير المحسوبة.
ينبغي عدم تكرار الأخطاء، وينبغي الحذر من اللدغ من الجحر الواحد مرات عديدة؛ ما يقتضي من كل قيادات الشعب الفلسطيني، وكل أصحاب المسؤولية والمواقع المتقدمة أن يقودوا عملية تحرير الشعب الفلسطيني بشكل فعلي وجاد بعيداً عن الاستعراض الإعلامي والاستثمار المرفوض في الدم والأشلاء والمعاناة، ومن عجز عن قيادة عملية التحرير عليه أن يقدم استقالته طائعاً مختاراً، وأن يفسح الطريق للجيل الجديد من أجل مواصلة المشوار بطريقة مختلفة.
السلطة التي أعلنت التخلي عن مشروع المقاومة، والتخلي عن حمل البندقية والتمسك بخيار المفاوضات ومسار التنسيق الأمني المقدس، عليها -أيضاً- أن تعيد النظر بمسارها وأن تجيب عن سؤال: هل اصبح الشعب الفلسطيني أقرب إلى تحرير نفسه واستعادة أرضه ومقدساته؟ وهل أصبح الشعب الفلسطيني أكثر قرباً من تحقيق أهدافه المشروعة، والمعروفة والمعلنة؟ وهل هناك وقت محدد وأمد مرسوم لمسار المفاوضات؟ أم أنها مفتوحة بحسب شهية «الاسرائيليين» لمزيد من الاستيطان ونهب الأرض وزيادة التهجير للمواطنين الفلسطينيين، والإقدام على تهويد الأقصى والحرم القدسي؟
أعرف تماماً أن المسؤولية تتعدى السلطة والمنظمات والشعب الفلسطيني إلى منظومة الدول العربية وكل الشعوب الإسلامية، لكن ما ينبغي الاتفاق عليه : أن الفعاليات الفلسطينية مطالبة بوضع مشروع استراتيجي واقعي واضح المعالم، قادر على جمع الشعب الفلسطيني ضمن الحدود الدنيا، وقابل للتطبيق العملي، ويستند إلى أركان ثلاثة معروفة، تتمثل بوحدة الشعب والقيادة، ووحدة الأرض والتراب، ووحدة البرنامج والمشروع مع توزيع الأدوار، وينبغي الاعتراف بأن هذا المشروع غير موجود وغير متبلور، رغم مرور (67) عاماً على النكبة، ومرور (48) عاما على النكسة، بالإضافة إلى ما نشهده من تراجع مرعب على جميع المسارات.
الاقتصار على جهاد الشعارات والخطب، ومواصلة الانفعال عبر (الفيس بوك) ومواقع التواصل الاجتماعي، فهذا فعل العاجز، وكل الذين يكررون الصيحات والصرخات بالمنهجية ذاتها عبر نصف قرن من الزمن إنما يمارسون خداع الذات، ويتحايلون على مسألة تقريع الضمير، ويوربون عن محاسبة النفس على تخاذلها إزاء المقاومة الجادة، لأنني أعرف عدداً كبيراً جاءوا للدراسة ثم تخلوا عن العودة إلى أرضهم بعد التخرج، وكانوا قادرين على ذلك، واكتفوا بممارسة التمجيد عن بعد لتضحيات المرابطين داخل فلسطين عبر صدورهم العارية ومواجهة المجنزرات وأسلحة اليهود الفتاكة بالحجارة والسكاكين والبطولة الاستثنائية، والاستغراق بممارسة الأنشطة التفريغية للحماسة الوجدانية التي تقوم بمهمة التعويض والبديل عن العمل الحقيقي.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :