أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية عربي ودولي أين تكمن أهمية معركة خيرسون؟

أين تكمن أهمية معركة خيرسون؟

10-11-2022 01:52 PM
الشاهد -

فوجئت روسيا في سبتمبر (أيلول) عندما شنت أوكرانيا هجوماً مضاداً في خاركيف بالمنطقة الشمالية الشرقية بدلاً من منطقة خيرسون في الجنوب. وتشير الدلائل بعد شهرين إلى أن الهجوم على خيرسون بات جاهزًا للانطلاق. وأمرت السلطات الروسية بإجلاء عشرات آلاف المدنيين أواخر الشهر الماضي، وأعلنت الأحكام العرفية، واتهمت كييف بالتخطيط لعملية على نطاق واسع على المنطقة قريباً.

أمامنا معركة طويلة وطاحنة في خيرسون ليس لدى أي من الطرفين الاستعداد لخسارتها

وفي الوقت نفسه، حققت كييف تقدماً في الأسابيع الأخيرة في الضفة الغربية لنهر دنيبر، واستعادت عشرات القرى والبلدات، وضربت مستودعات الذخيرة والجسور، بينما هاجمت روسيا البنية التحتية للطاقة وفرضت الأحكام العرفية في المناطق الشرقية، بما في ذلك خيرسون. وعلى الرغم من أن توقيت الضربة ما زال غير واضح، يبدو أن كلا الجانبين يجري تحضيراته للقاء لا مفر منه.

أهمية خيرسون

وفي هذا الإطار، تناول المحلل ريدفان باري يوركوستا، الخبير المختص بالشؤون الروسية-الأوكرانية ومنطقة البحر الأسود، في تحليل بموقع "جيوبولتيكال فيوتشرز"، أسباب أهمية خيرسون قائلاً: تقع خيرسون على البحر الأسود ونهر دنيبر ذي الأهمية الاستراتيجية، وهي من أوائل المدن الرئيسية التي احتلها الروس بعدما غزت موسكو أوكرانيا. وهذه المنطقة بحجم بلجيكا تقريباً، وكانت بمنزلة البوابة الرئيسية لشبه جزيرة القرم وتستضيف أكبر ميناء تمكنت روسيا من السيطرة عليه في جنوب أوكرانيا. وكانت خيرسون قبل الحرب محوراً اقتصادياً إقليمياً وموطناً لصناعة بناء السفن الرئيسية. وتمتد عبر خيرسون قناة شمال القرم، التي تُعد نظام توصيل المياه الرئيسي لشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا.

ونشرت روسيا الآلاف من قواتها في خيرسون منذ فبراير (شباط) كجزء من خطة موسكو للتقدم إلى ميكولايف وأوديسا والاستيلاء على جنوب أوكرانيا. وكانت نقطة محورية لكييف لأشهر، وهذا هو السبب في أن الكرملين فوجئ بهجوم أوكرانيا المضاد في سبتمبر (أيلول) الذي استهدف بدلاً من ذلك المناطق التي تسيطر عليها روسيا في الشمال الشرقي. وخسرت موسكو بالفعل خاركيف - ونتيجة لذلك أُجبرت على استبدال قائد جيشها المسؤول عن الحرب. فهي لا تستطيع تحمل خسارة خيرسون أيضاً، بحسب التحليل.

لكن روسيا تواجه مشاكل لوجستية وشخصية، يقول الكاتب، فالمجندون الجدد، المنضمون من خلال "التعبئة الجزئية"، سيحتاجون إلى تدريب سريع لدعم القوات المنتشرة بالفعل في المنطقة. ومع ذلك، يقاتل الجيش الروسي مرة أخرى بالقرب من كوبيانسك وليمان، لبناء خطوط دفاعية عن جانبي نهر سيرسكي دونتس، واستمرار العمليات الهجومية في باهاموت وسوليدار وأوجليدار. ويأمل أن تعمل هذه الاستراتيجية على زعزعة المواقع الأوكرانية وتجنب كثافة القوات الأوكرانية وتمركزها بالقرب من منطقة خيرسون.

وبالنسبة لأوكرانيا، تتمثل إحدى مزايا استعادة خيرسون في أنها ستدفع القوات الروسية بعيداً عن مواقع رئيسية أخرى في جنوب البلاد، مثل ميكولايف وأوديسا، وكذلك وسط أوكرانيا. ويمكن أن تسيطر كييف أيضاً على قناة شمال القرم. ودون السيطرة على منطقة خيرسون، لا تستطيع روسيا ضمان إمدادات المياه لشبه الجزيرة التي ضمتها. وتدرك كييف أن انتزاع خيرسون من الكرملين يمكن أن يثير أزمة سياسية في موسكو، والتي يمكن أن تضعف عزم روسيا وموقفها التفاوضي في المحادثات المستقبلية.

لماذا تهمنا عملية الإخلاء؟

ورأى الكاتب أنه يتعين أن تؤخذ أخبار إخلاء خيرسون على محمل الجد. صدرت أوامر بالإخلاء في 19 أكتوبر (تشرين الأول)، مع اشتداد القتال حول مدينة خيرسون، العاصمة الإقليمية. وبعد أيام قليلة، في 24 أكتوبر، تحدث وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو مع نظرائه في بريطانيا وفرنسا وتركيا، وحذر من "تصعيد غير منضبط" من كييف. جاءت التحذيرات بعد أن أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن قلقه من أن موسكو كانت تخطط لتفجير محطة كاخوفكا لتوليد الطاقة الكهرومائية في الجزء المحتل من خيرسون. بعدها، اتهمت روسيا كييف بالتآمر لتدمير سد محطة الطاقة، وقالت إن إجلاء المدنيين ضروري لحمايتهم من الفيضانات.

وأوضح الكاتب أن خطة الإخلاء تؤشر إلى احتمالين مهمين. أولاً، ربما تخطط روسيا للانسحاب من خيرسون وتريد التأكيد على عدم ترك أي شيء مهم خلفها - بمعنى آخر، المواطنون الروس الذين تم إحضارهم للعيش في الأراضي المحتلة. ثانياً، ربما تعمل روسيا في الواقع على زيادة القدرات الدفاعية في المنطقة، وتريد تطهير المنطقة من المدنيين حتى يتمكن العسكريون من الاستعداد للمعركة بشكل أفضل، من الناحية اللوجستية وغيرها.

ومع ذلك، يستبعد الكاتب الاحتمال الأول، منوهاً إلى أن هناك مؤشرات على انسحاب القوات الروسية من مدينة خيرسون: بعض المباني الإدارية لم تعد ترفع العلم الروسي، وذكر مسؤول روسي يوم الخميس أن القوات الروسية ستغادر على الأرجح إلى الضفة الشرقية لنهر دنيبر. لكن الانسحاب الكامل من المنطقة يمثل مخاطرة كبيرة بالنسبة لموسكو. يعني ذلك الاعتراف بالفشل في أحد أهم أهداف روسيا في الحرب: السيطرة على الساحل الجنوبي لأوكرانيا، بما في ذلك منطقة ميكولايف المجاورة لخيرسون وأوديسا. علاوة على ذلك، لا يستطع الكرملين تحمل رد الفعل السياسي الداخلي الذي قد ينتج عن الانسحاب الكامل، مع الأخذ في الاعتبار الأهمية الاستراتيجية للجنوب.

وأوضح الكاتب أنه من المحتمل أن يواجه كلا البلدين الآن معركة طويلة للسيطرة على خيرسون، سواء من الناحية اللوجستية أو التحديات الجغرافية. وتقع المنطقة في الأراضي المنخفضة للبحر الأسود، ومعظمها مغطى بالشجيرات والغابات المزروعة كمصدات للرياح لإيواء القرى الواقعة بين حقول الحبوب والذرة. وكان بإمكان الجيش الأوكراني في الصيف الاختباء من المدفعية الروسية والطائرات بدون طيار في هذه الغابات. ولكن نحن الآن في نوفمبر (تشرين الثاني)، ولم يعد هذا التكتيك ممكناً.

علاوة على ذلك، يتم استخدام النهرين الرئيسيين في المنطقة – وهما إنهولتس ودنيبر - من قبل الجيش الروسي كخطوط دفاع طبيعية، مما يعني أنه سيتعين على أوكرانيا القتال في مناطق مأهولة بالسكان لاستعادة المنطقة. ومع ذلك، تعتبر خيرسون ريفية بشكل أساسي وواحدة من أقل المناطق اكتظاظاً بالسكان في أوكرانيا. هناك مركزان حضريان فقط: العاصمة ومدينة بيريسلاف، التي يبلغ عدد سكانها 12 ألف نسمة فقط حالياً تحت السيطرة الروسية، كما هو الحال مع معظم الضفة الغربية لنهر دنيبر.

ولفت الكاتب النظر إلى أن القتال في منطقة منخفضة الكثافة سيشكل تحديات لكلا الجيشين. وتُعد تعبئة القوات وعمليات الاستطلاع (أي الطائرات دون طيار وذكاء الأقمار الصناعية) المفتاح في مثل هذه المناطق. وسوف تحتاج روسيا تركيز أكبر لقواتها، وأوكرانيا إلى قدرات تمكن جيشها من التقدم في الخفاء - في ظلام الليل، على سبيل المثال. إن الانتقال من قرية إلى قرية عبر السهول المفتوحة ينطوي على مخاطر كبيرة.

سيتعين على الجيشين أيضاً التحرك في ظل ظروف طقس صعبة. فمن الممكن أن يؤدي المطر الثقيل في الخريف إلى جعل التضاريس موحلة وصعبة الاختراق. سيبدي الشتاء أيضاً تحديات من حيث حركة القوات والدبابات والمعدات.

معركة طويلة في المستقبل

وتشير التقارير إلى أن روسيا كانت تستعد منذ أسابيع لهجوم أوكراني في المنطقة. وبحسب التقارير الواردة، أرسلت موسكو بالفعل بعض قواتها التي تم حشدها حديثاً إلى خط المواجهة في خيرسون. كما ورد أنها قامت بتحصين خنادقها ومواقعها تحت الأرض. وكانت أوكرانيا، في غضون ذلك، تتقدم أيضا ببطء ومن المرجح أن تفكر في مهاجمة المواقع الروسية في أماكن أخرى في الجنوب لتزيد من فرص نجاحها في خيرسون، رغم عدم وضوح مدى قدرتها على تحمل القتال العنيف في أكثر من موقع في الجنوب.

وعلى الرغم من الانسحاب الواضح لبعض القوات الروسية من العاصمة الإقليمية، لا يمكن تجنب معركة خيرسون. بالنظر إلى التضاريس والقيود اللوجستية، من المنتظر حصول معركة طويلة وطاحنة، بحسب التحليل، ولا أحد من طرفيها على استعداد لقبول الهزيمة. يمكن لروسيا اللجوء أيضاً إلى تكتيكات أخرى للحفاظ على ميزتها الاستراتيجية في الجنوب، ومنها: تصعيد الهجمات في مناطق أخرى، أو شن غارات جوية، أو استخدام الأسلحة النووية التكتيكية في المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة. وقد يفسر هذا تردد كييف في مهاجمة المواقع الروسية في خيرسون. فهي قلقة بشأن ما قد يتبع نجاحها من عواقب.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :