أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية شايفك مواطنون للشاهد: يكاد لا يسلم أي موقع أثري في...

مواطنون للشاهد: يكاد لا يسلم أي موقع أثري في بلادنا من النبش والحفر العشوائي

08-09-2021 03:42 PM
الشاهد -

-الفقر، البطالة، والفراغ سمة مشتركة للباحثين عن الدفائن
-الأردن محمية ومتحف مفتوح، ويجب تفعيل دور أعوان المعهد الوطني للتراث
-لدينا ضعف شديد في المنظومة القانونية الخاصة بالتراث

 

الشاهد/ فاضل العمارين

وادي الحسا هو وادٍ صحراوي يقع في وسط الجزء الغربي من الأردن بين محافظتي الكرك والطفيلة، وتصب سيوله في جنوب البحر الميت في غور الصافي، و له أهمية تاريخية كبرى، ويقع على ضفافه العديد من المواقع الأثرية الضاربة في التاريخ، ومنها أثار جبل التنور على قمة جبل مرتفع في منتصف وادي الحسا إلى الشمال من محافظة الطفيلة، والذي بناه الأنباط .
وهنا نتحدث عن مشكلة تضرب المواقع الأثرية والتاريخية في المنطقة، وهي العبث والتخريب بسبب البحث والتنقيب عن الدفائن والكنوز وما تخلفها من آثار سلبية على الاثار والمعالم، ومنها أخترنا موقعا تاريخيا تم بناؤه في زمن الإمارة الأردنية عام 1936م، كمركز للفرسان، والذي معلماً يحكي قصة نشوء الدولة منذ بداية تأسيس الإمارة الأردنية وتطور أجهزتها، لكنه لم يسلم من التخريب والتدمير الذي شوّش على ذاكرة التاريخ في المكان الذي تعاقب عليه أجيال من الزمن الجميل .
و أصحاب هذه الأفعال مجهولون ومهووسون في البحث عن الدفائن والتنقيب عن الكنوز، يدفعهم إغراء سرد القصص والخرافات حول وجود دفائن تعود لحضارات كانت تسكن منطقة سيل الحسا والتنور ستغير حياتهم حال عثروا عليها، غير أن الوصول إليها يحتاج إلى الحفر والهدم وقراءة رموز يغتقدون أنها إشارات ودليل على كنز مدفون.
هؤلاء المهوسون الذين سلب الجهل عقولهم، لم يحصدوا سوى الوهم وانتجت أفعالهم غير المسؤولة الخراب والتدمير لعدد من المواقع الأثرية والمعالم السكانية كالأبنية القديمة وأبآر المياه التي بناها أجدادنا، وتحكي ذكرياتهم الجميلة في المنطقة.

مشكلات الحسا الأثرية وحلولها بعيون أهلها

الشاهد زارت الحسا، والتقت مع الإمام الشيخ ضيف الله حسن أحد أئمة المساجد في المنطقة الذي حدثنا بأن "اعتقاد بعض الأشخاص بوجود دفائن وكنوز في الأرض مرده الجهل، وعدم المعرفة بتاريخ المنطقة الأمر الذي تسبب في تدمير مباني وآبار كانت في هذه المنطقة تخدم سكانها من أصحاب المواشي الذين يستفيدون من مياه الآبار ويستخدمون المباني التي كانت هنا منذ أن وعينا على هذه الدنيا وأشاهدها تروي عطش كل واردة و كل ذكريات أجيال سكنوها ومعالم تاريخية قيمة لتتحول الى أماكن خالية من السكان وموحشة، وكل ذلك بسبب أشخاص يبحثون عن الدفائن التي لاوجود لها أساساً" .

وتابع ضيف الله "إن اختيار مكان الحفر عن الدفائن لم يكن عشوائيا، إذ يجب أن يسبقها وجود اشارات ورسومات محفورة على صخور تكون عادة قريبة من المواقع المراد الحفر فيها، وتعتبر دلالات بأن هذا الموقع يحتوي على دفائن، والغريب في الأمر أن الباحثين عن الدفائن لا تعجزهم المحاولات اليائسة عن الاستمرار، مبررين ذلك بأن عدم عثورهم على الكنز يعود لعدم تحديد نقطة الحفر الصحيحة، فيلجأون إلى الاستعانة بأمرين، إما باستخدام ما يعرف "بجهاز الكشف عن الذهب" أو الاستعانة بـ"الفتاحين" أو العرافين، وهم أشخاص يزعمون تواصلهم مع العالم الآخر "الجن" وأن بمقدورهم تحديد أين يقع الكنز بالضبط، وذلك بقراءة تعاويذ، إضافة إلى زعمهم المقدرة على إزالة ما يعرف بـالرصد، وهم بحسب ضيف الله "الفتاحين" الذين يحددون له مكان الدفائن تحت الأرض مقابل أجور مادية حتى لو أن الفتاحين طلبوا منهم هدم وتخريب مبنى قديم قائم أو بير ماء أو معلم حضاري أو تاريخي" .

ويؤكد ضيف الله أن هذه الحكايات والخرافات التي لا تحمل أي سند ديني أو علمي لها قد ترسخت بفعلاعتقاد الكثير بأن الإنسان لدى الحضارات القديمة لدى خروجه من موطنه يخبئ ثروته في باطن الأرض ليعود لها في وقت آخر، خاصة وأن تلك الثروة هي عملات ذهبية وقطعاً فخارية وأواني معدنية من الخام الخالص .


ويقول ضيف الله "يسود الاعتقاد لدى هؤلاء الأشخاص عن الثروة، بأن الأمم السابقة كاليونان والرومان والأتراك العثمانيين عندما خرجوا من المنطقة دفنوا مقتنياتهم الذهبية في بواطن الأرض، وهذا ما جعل المواقع القديمة عرضة للكثير من الإعتدءات والتخريب الذي يلحق الضرر بالمباني القديمة والأبار والمواقع الأثرية" .

ويشير ضيف الله إلا أن أحد دوافع هذه الأفعال سببها البطالة والفقر والفراغ عند قطاع واسع من هؤلاء الأشخاص، وأضاف؛ من الممكن معالجة هذه الظاهرة التي أصبحت مقلقة لما ينتج عنها من أضرار في الممتلكات العامة والأثرية ذات القيمة التاريخية العظيمة ،ومن هذه الحلول ؛ على الجهات المعنية استغلال طبيعة المنطقة ومصادرها الطبيعية و الزراعية كونها تحتوي على أنهار وسدود مائية كبير وميزتها السياحية، والتي تتمثل بوجود الحمامات المعدنية المتعددة والمتواجده في المنطقة مثل حمامات عفرا والبربيطة، وطبيعة المنطقة الرعوية التي تناسب تربية المواشي على كافة أنواعها ومناخها الدافئ والمناسب، وتوعية السكان بأهميتها لاستغلالها والتوجه لها هذا يأتي من اهتمام الدولة بالخطط والدراسات التي تعالج بها البطالة والفقر، وعلى هذا الأساس يكون ذلك جزء على الأقل للحد من الفراغ عند سكان المنطقة بشكل عام وخاصة الأشخاص المجهولين الذين يمتهنون التخريب وتدمير الأماكن التاريخية والحضارية الصالحة للعيش، وما شيوع تلك الأوهام والخرافات المتعلقة بالكنوز بين الكثير من الناس إلاّ دليل على نقص في العقل وسذاجة في الفكر، وعلامة من علامات الانحدار الحضاري في بلادناويرى ابن خلدون أنّ تمييز الصادق من الكاذب من الأخبار والوقائع يكون استنادا إلى مدى اتفاقه أو مخالفته لطبائع الأمور وسنن الحياة، ولكن العوام والكثير منهم من أصحاب التحصيل العلمي العالي يأبون إلا تصديق العجيب والمخالف للمنطق السليم والركون إلى التفاهات والسفاسف المعششة في الأذهان منذ القرون الخالية.

السيد حسين العمارين رئيس ديوان محكمة بلدية الحسا والذي يحمل ماجستير في القانون تحدث إلى الشاهد، وقال، "إن المادة 14من قانون الآثار رقم 21 لسنة 1988 وتعديلاته تنص على "يحظر على أي شخص طبيعي أو معنوي القيام بأي حفريات في المواقع الأثرية بحثا عن الدفائن الذهبية أو أي دفائن أخرى "، و أن المادة 27 من نفس القانون تنص على أنه " يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات، إضافة لتغريم مرتكبيها بمبلغ لا يقل عن 2000 دينار تقريباً ويسري ذلك على كل من تاجر بالآثار أو ساعد أو شارك أو تدخل أو حرض على ذلك .

وأكد العمارين، على أن الدراسات والتنقيبات الأثرية أثبتت عدم وجود للذهب مشيرا إلى أن ما يجري الآن هو وجود عدوى اقتصادية اجتماعية تتجلى بأن الأرض مليئة بالدفائن الذهبية، وأن الأجداد كانوا أثرياء وكانت حياتهم وأسواقهم كأسواق الذهب، مؤكداً على وجود فئة من المجتمع تتبنى عملية المقامرة من خلال وجود مثل هذه الدفائن، لكنهم يغامرون بموجوداتهم وبيوتهم وأسباب عيش أولادهم إلى حد أن ينقلبوا ليلا للعمل ونهارا للنوم .

وتابع العمارين، "الأردن مر عليه حضارات وأمم كثيرة وتركت وراءها مواقع أثرية وهو " متحفا مفتوحا " مشيرا إلى أن هناك " لُقى " أثرية وليس كنوزا ودفائن ذهبية، وحكايات العثور على دفائن ذهبية فيه الكثير من الوهم والخرافة ، ولذلك يكاد لا يسلم أي موقع أثري في بلادنا من النبش والحفر العشوائي، بما في ذلك بعض المواقع التي يفترض أن تكون محمية؛ بمعنى تقع تحت الحماية وأعوان المعهد الوطني للتراث.

وأضاف حسين من المؤسف في هذا الموضوع هو الهُزال والضعف الشديد للمنظومة القانونية الخاصة بالتراث لدينا، بما يجعلها غير قادرة على التعاطي مع مشاكله وحمايته، حتى في الحدود الدنيا، إضافة إلى غياب أي استراتيجية توعوية وتثقيفية من أجل رفع الجهل والتحسيس بخطورة ما يقترفه الباحثون عن الكنوز، لما في ذلك من تخريب لمواقعنا الأثرية وما يعنيه من تدمير للحقائق التاريخية، وإهدار لرصيد حضاري يمكن الاستفادة منه بوجوه كثيرة، وكذلك لما فيه من إهدار لجهد ومال المغفلين الذي يمنون أنفسهم بثروات لا وجود لها.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :