أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية اجتماعي أسيرة تحلم بـ"التوجيهي" - فيديو

أسيرة تحلم بـ"التوجيهي" - فيديو

07-10-2020 12:30 PM
الشاهد -

غرفة معتمة، رائحة عفنة تفوح من أرجاء المكان، أثر التعنيف يحتل كل بقعة في الجسد الضعيف، أرخت مريم رأسها للخلف، لم تُجهد نفسها في إخفاء دموعها. تركتها تنساب حرّة على وجنتيها. لن يراها أحد. تعرف ذلك في قرارة نفسها.
في سجون الاحتلال لم تكن الأسيرة مريم الترابين تشعر بإيقاع الحياة. رتابة الأيام جعلت الليل والنهار أمام ناظريها متشابهين. صوت من الأعماق يغيث النفس ويقهر ظلم المكان وظلمته لكنه سرعان ما يتبدّد مع وقع أقدام العسكر. إنه الحلم يبزغ من أعماق مريم كالضوء ويتلاشى تحت سياط الجلّاد… السجّان.
ضوء يقتحم ظلمة الزنزانة الانفرادية، “لم أعتد عليه فأغلقت عينيَّ. تكوّرت على جسدي وخبأت رأسي بين يديَّ واستسلمت للضرب. لا أعلم كم مضى من الوقت، صراخ.. صراخ وألم من كل جانب. ولمّا أفقت شعرت بأطراف جسدي تنوء تحت آلام لا تُحتمل”، كما تقول.
و” في كلّ مرة كنت أدوس على الوجع وأصرخ: لن ينالوا مني؟ أنا قويّة بما فيه الكفاية يمكنني تخطّي الأمر”؟!
قضت الأسيرة مريم سبعة أعوام في معتقل الاحتلال الإسرائيلي تحت سياط التعذيب، ستة أعوام ونصف منها في الزنزانة الانفرادية. وحيدة يؤلمها الظلام وضيق المكان ووحشته.
في العام 2011 تحررت الأسيرة فيما يسمى بصفقة “شاليط”، غادرت الزنزانة تاركة خلفها نقشا على الجدران: “سحقتم جسدي، ولكنكم لم تنالوا من حلمي”.
فشلت الأسيرة المحررة في الحصول على شهادة الثانوية العامة من داخل المعتقل رغم كل محاولاتها؛ فالضرب والتعنيف الجسدي وفقدان الوعي كان نصيبها والمصير الذي يحول دون تحقيق الهدف.
في حديثها لم ترتبك في سرد التفاصيل: “تلك الليلة كان يملؤني الفرح بتقديم أول امتحان لشهادة الثانوية من داخل المعتقل، لكن حلمي سرعان ما كان يتلاشى.. يذوب تحت وقع الضرب والعنف. ومحاولة كسر إرادتي… هكذا مرّت الأعوام الطويلة بين الرجاء واليأس”.
كانت تروي قصتها وهي واجمة. صمت ثقيل ودموع: لم أكن أعلم أن نصيبي بعد المعتقل هو إقصائي مرغمة عن الوطن فلسطين. وصلت الأردن بعد عدة محطات من الرحيل في بلدان أخرى، عاودني حلم شهادة الثانوية العامة مجدّدا. هنا تجدد الأمل في الحياة وفي التعليم ثانية. خاضت الأسيرة المحررة مريم سجالا طويلا للحصول على شهادة الثانوية العامة، لكن عبثا. كلّ جهودها ذهبت أدراج الرياح؛ فالتقدّم لاختبارات “التوجيهي” ونيل الشهادة غير ممكن أبدا بدون شهادة الصف العاشر. ولأن الإرادة تصنع المعجزات اجتازت مريم الصف العاشر، وحصلت على الشهادة. ثم جابهها قانون في وزارة التربية والتعليم الذي منعها من التقدم للحصول على شهادة الثانوية العامة “التوجيهي” إلا بعد مرور ثلاثة أعوام.
مريم الترابين الأسيرة المحررة من سجون الاحتلال الاسرائيلي، أسيرة لم تتحرر من شغف التعليم وإكمال الدراسة. قانون يقف كالجدار أمام تحقيق حلمها، وأملها في حياة تشبه حياة أولئك الذين يمضون في أحلامهم سائرين على أقدام قوية.
مطلب بسيط يعيقه قانون جامد، مريم تخشى من الوقت. يفاوضها الوقت الآن بمرارة وحرمان جديد. فالكثير منه تبدّد بين جدران الزنزانة. بصوت مرتجف تقول: كنت مرغمة على ذلك طيلة سني الاعتقال، كل ما أرجوه اليوم أن لا يضيع المزيد من عمري في الانتظار. أريد أن أتقدّم لاختبارات “التوجيهي”، أريد أن أكون مثل كلّ الطلاب السعداء ولو لمرة واحدة.

 

 

  




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :