أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات ثورة بيضاء لإصلاح الإدارة الحكومية

ثورة بيضاء لإصلاح الإدارة الحكومية

24-10-2013 10:46 AM

د.محمد طالب عبيدات

كشف حفل تسليم جوائز الملك عبدالله الثاني للتميز واقع حال الإدارة الحكومية وتراجعها بالرغم من الخبرات الضليعة التي تتوافر في جهاز الدولة، وأشّر جلالة الملك إلى مواطن الخلل ووضع أصابعه على ضرورة إصلاح وتطوير أداء وخدمات القطاع العام لتتواءم مع خبراته وتنعكس على متلقي الخدمة صوب مأسسة ثقافة التميز فيها.
وإذ أؤكّد شخصياً بأن الإدارة الحكومية تعاني من ترهل إداري عام وأحياناً بيروقراطية مقيتة وشخصنة، وفيها ما فيها من حمولات زائدة بُغية محاربة الفقر والبطالة من خلال البعد الإنساني، وهذا كلّه يؤول إلى محاربة الشفافية والإبداع والتميز كمفاهيم عصرية تحاكي ثقافة الإنتاجية والعطاء بدلاً من الكلاسيكية المملّة، وأؤكّد بأن ثقافة الواسطة والمحسوبية ما زالت متواجدة وأحياناً سائدة وهذا كنتيجة حتميّة لعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب مما أدّى لظهور بعض حالات الفساد. ومعلوماتي تقول بأن موظفي الدولة بالمجمل وبالمعدّل –إلّا فئة قليلة منهم- لا يعملون أكثر من ساعتين من أصل ثماني ساعات يومياً، أي أن إنتاجيتهم تكون في رُبع وقت دوامهم والباقي وقت ضائع، وهذا هدر للمال العام للدولة وإحجام عن خدمة المواطن على السواء. وبالطبع ليس المقصود هنا جلد الذات بل الإيمان بضرورة التطوير والتغيير.
وما مكاشفة نائب رئيس مجلس أمناء مركز الملك عبدالله الثاني للتميز للوزارات والمؤسسات التي لم تتقدّم لجوائز التميّز الممنوحة من قبل المركز إلّا دليل صارخ على إحجام وتردد بل وربما خوف هذه المؤسسات أن ينكشف سر تراجعها وترهلها وتلكؤها في مبادرات التطوير وتحسين خدماتها ومأسستها بل وبعدها عن ثقافة التميز والإبداع ومقاومة التغيير وربما بيروقراطيتها وعدم الاهتمام من أساسه بالمراجعين ومتلقي الخدمة وتقديم الخدمة النوعية لهم.
الرؤى الملكية السامية لتطوير الجهاز الإداري للدولة تنبثق من مأسسة ثقافة التميّز وانعكاسها كخدمات نوعية على المواطن، وهذه الثقافة هي السبيل الأوحد للخروج من عنق الزجاجة في الترهل الوظيفي.
لغايات النهوض بالأداء صوب التميز والإبداع وخلق ثورة بيضاء للقضاء على مشاكل وهموم وتحديات القطاع العام، بل والسعي لخلق فعالية الإنتاجية لدى موظف القطاع العام من خلال حُبّه وتمسّكه بالوظيفة فعلياً لا شكلياً، وخلق البيئة المناسبة لزيادة اهتماهه بالمراجعين ومتلقي الخدمة والابتسامة في وجوههم على الأقل، ولتكون ثقافة التميّز والسعي إليها سلوكاً يومياً لا تجمّلاً. وبالطبع لن يتم ذلك إلّا من خلال خلق نظامين تشريعيين يُطبّقا بشفافية على أرض الواقع: النظام الأول للمساءلة والآخر للحوافز التشجيعية ومكافأة الإبداع والتميّز الوظيفي. وما تأكيد جلالة الملك على أن يكون مركز الملك عبدالله الثاني للتميز كمرجعية لمراقبة الأداء والمساءلة إلا دليل على ضرورة أن تقوم الحكومة على مأسسة ثقافة التميز في الإدارة الحكومية وجعل هذين النظامين حقيقة واقعة ليصار لمحاسبة كل المقصرين في أداء واجبهم ومكافأة المخلصين في عملهم.
مقارنة بسيطة وشكلية بين القطاعين العام والخاص تُظهر إنتاجية أكبر، وتُظهر إدارة فاعلة، وتُظهر مؤسسات رشيقة، وتُظهر أوقات عمل مُستغلّة دون ضياع، وكلها تميل لصالح القطاع الخاص رغم أن العاملين جُلّهم أردنيون لكن الاختلاف في آلية وشفافية انتقاء الموظفين وخبراتهم، وربما الثقافة السائدة لدى المواطنين بأن القطاع العام مؤسسة «مشاع» للوطن والمواطن ورواتب موظفيه حق للموظفين في ظل الدولة الرعائية وهم يبحثون عن مصادر دخل أخرى من خلال اللجان والأعمال الأخرى لزيادة مدخولاتهم في ظل أوضاع اقتصادية غير مُشجّعة وأسعار سلع مُطّردة.
بصراحة مُطلقة الإدارة الحكومية باتت بحاجة ماسة اليوم وقبل غد لثورة بيضاء للقضاء على ترهلها، وبحاجة لمأسستها من خلال تخطيط إستراتيجي مدروس وخطط تنفيذية فاعلة لا فزعويّة ومؤسسية لا فردية أو شوفية، وبحاجة ماسة لتغييرات جذرية في وجوه الصفين الأول والثاني، وجلالة الملك دقّ ناقوس الخطر ووضع الكرة في مرمى الحكومة وأصابعه على المرض المستشري في بيروقراطية الجهاز الحكومي صوب انعكاس الخدمة على المواطن ومتلقي الخدمة، ليعزز ذلك روحية العطاء لدى الموظفين واحترامهم للمراجعين وينبذ سلطوية وعنجهية بعضهم وهدرهم للوقت والاتجاه صوب تجذير ثقافة التميز والإبداع في العمل العام، وليكون الموظفون المتميزون والمؤسسات المتميزة نموذجاً يُحتذى أمام أقرانهم صوب إدارة حكومية أكثر فعالية.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :