أخر الأخبار

بأقلامهم

25-09-2013 02:32 PM
الشاهد -

انتفاضة الجدران

يسري الغول

استشاطت زوجتي غضباً، واعلنت عن سلسلة عقوبات صارمة بحق أولادي المتمردين على سياسة المنزل العامة، فقد فوجئنا ذات صباح بأنهم سبقونا إلى الحياة واستيقظوا، يمارسون الضحك والكتابة على الجدران. يرسمون بالطباشير والألوان التي اكتريتها لهم للرسم على الورق الخاص بالرسم. ففي الوقت الذي غضبت فيه زوجتي، كنت ابتسم وأحاول أن أهدئ من روعها، رغم الطلاء الجديد وما لحق به من أضرار مادية، لأنني آمنت بثورة الأطفال على عالمنا التقليدي المميت، ولأنني ما زلت أذكر جنوني حين كنت صغيراً أمارس هواية تفكيك الألعاب ومحاولة اصلاحها، فكانت انتفاضة والديّ تقتل طموح الابتكار الذي مارسته على معظم الألعاب الالكترونية في حينه لأنني لا أرحم أي واحدة من شريّ. فقررت أن أترك أولادي يمارسون حياتهم بالطريقة التي يرونها مناسبة، ولكن ليس على الجدران، وإنما على الأوراق البيضاء التي سهرت ليلة كاملة برفقة زوجتي لإلصاقها بغرفتهم كي يقوموا بالرسم عليها، وكتابة كل مايحلو لهم، إلا أنهم كالعادة قاموا بتمزيقها فيما بعد. فقررت بشراء كميات كبيرة من الورق الأبيض للرسم عليه كلما راودتهم أفكار جديدة. هذه حالة من حالات كثيرة موجودة، نتعامل معها بقسوة فنقتلها بدلاً من أن نعززها، ولذلك فهي رسالة لكل أب وأم ومدرس ومسؤول بأن هذه الأفعال التي يقوم بها أطفالنا، إنما تنم عن ذكاء وهمة وموهبة قد يندر وجودها، كما في حالة ناجي العلي رحمه الله واسماعيل شموط وكامل المغني وفتحي غبن وغيرهم. وعليه، فواجب كل واحد منا أن يعزز تلك الشخبطات والخربشات بتوفير الأوراق أو السماح للأطفال بالكتابة والرسم على جدران غرفة معينة أو لوح معين، فكل ذلك سيدفع بنشوء جيل جديد واعد، طموح، وقادر على صناعة الفن والأدب والسينما وغيرها. وأسعدني كثيراً أن أتابع مع زميلي الفنان هيثم عيد انتفاضة الجداريات بعد العدوان الإسرائيلي على غزة نهاية عام 2008، حيث كنا نشارك الفنانين ونستضيفهم للبحث في خلق بيئة تضج بالجداريات التي تدعم مشروع ثقافة المقاومة وتعزيز السلوكيات الإيجابية من خلال برنامج (قيمي حياتي)، بالإضافة إلى جداريات وزارة المواصلات وغيرها، حيث كان لتلك الجداريات بالغ الأثر في استقطاب المناصرين لقضايانا العادلة، وعمل أفلام وثائقية وغيرها حول ذلك الموضوع. الرسم على الجدران والخربشة على الأوراق وتمزيق الدفاتر والأوراق لصناعة هيئات وأشكال معينة موجودة بمخيلة الطفل خطوة نحو تحقيق الذات، وخطوة نحو صناعة الإنسان الناجح والمبادر، ولذلك فهي نصيحة أهمس بها لكل راع ومسؤول عن رعيته أن رفقاً بالأطفال، ومعاً لإنجاح عالم سمسم






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :