أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات تكريم بأثر رجعي

تكريم بأثر رجعي

08-07-2021 04:45 PM

المهندس عادل بصبوص


فوجئت اليوم بإتصال هاتفي من وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وقد غمرني للوهلة الأولى شعور بالسعادة ومرت بخاطري ذكريات وأوقات جميلة قضيتها في هذه الوزارة المحببة إلى قلبي والتي لها علي أفضال كثيرة، ولم يوقف تدفق سيل الذكريات إلا صوت المتصل يعلمني بأن الوزارة قد أعدت دروعاً تكريمية لعدد من الموظفين السابقين، من بينهم العبد الفقير إلى الله، وأن الظروف الحالية لا تسمح بإقامة حفل تكريمي لهم، وأن الدروع جاهزة في مبنى الوزارة بانتظار أن يأتي المكرمون أو من ينوب عنهم لاستلامها ....!!!!!.
لقد أيقظ هذا "التكريم" المتأخر شجوناً ومشاعر ما زالت عالقة في خاطري ووجداني منذ اليوم الذي تركت فيه الوزارة قبل نحو سبع سنوات ولم أجد فيها -وأنا أغادر- من يلوح لي بكفه مودعاً بعد أن قضيت فيها ستة عشر عاماً بذلت فيها ما استطعت من جهد في مواقع مختلفة، وقد كانت تمر السنة الواحدة والسنتين وربما الثلاث سنوات دون أن أحظى بيوم إجازة أو يومين، أما ساعات العمل اليومي فلا تنتهي بنهاية الدوام وأنما بنهاية "أكوام" المهام والواجبات اليومية، لم أشعر بتوالي مرور السنوات علي في الوزارة بالرغم من زحمة العمل وكثرة المهام، فقد كنت استمتع بالعمل وادرك أهميته وألمس أثره على الأرض، وتنقلت في المواقع والمناصب حتى توليت إدارة أحد أهم البرامج التنموية في الوزارة والذي كانت موازنته السنوية بحدود خمسة وعشرين مليون دينار وكانت أبرز أهدافه تتمثل في مكافحة الفقر وزيادة الإنتاجية، من خلال مشاريع ومبادرات تنفذها جهات حكومية وغير حكومية في مختلف مناطق المملكة، وقد قضيت في هذا الموقع حوالي أربع سنوات استطعت خلالها ان أقيم جدوى وأثر المبادرات والمشاريع التي يتم تنفيذها خاصة المشاريع التي كانت تنفذ في مناطق جيوب الفقر، ولدى توجه الوزارة لتنفيذ حزمة جديدة من المشاريع والمبادرات في تلك المناطق بقيمة تزيد على عشرين مليون دينار، فقد قمت بمراجعة المقترحات والتصورات التي قدمت من الجهات التي دأبت على تنفيذ مثل هذه المشاريع، وخلصت إلى نتيجة مفادها أن الأثر المتوقع لهذه المبادرات في مجال الحد من الفقر في تلك المناطق سيكون محدوداً، وإزاء الاصرار على التنفيذ وفق تلك التصورات فقد قررت الاستقالة، برغم الراتب المرتفع وامتيازات المنصب العديدة، وقد جاء الرد برفض الاستقالة ولدى اصراري على ذلك، فقد عرضت علي الوزارة مشكورة البقاء فيها مع الانتقال إلى منصب آخر، وهذا ما تم فعلاً حيث عينت مستشاراً أُقدم النصح والمشورة فيما يتعلق ببرامج الوزارة التنموية وقد زرت لهذا الغرض مئات المشاريع التي نفذتها الوزارة على مدى أكثر من عشر سنوات في كافة مناطق المملكة وأعددت التقارير والمقترحات اللازمة، وبقيت في هذا المنصب حتى تغيرت الحكومة وتغير المسؤول الأول في الوزارة، ولم يمضي الكثير من الوقت حتى جئت ذات صباح ووجدت على مكتبي كتاب إنهاء عملي في الوزارة دون أية مقدمات، ودون أن تتاح لي فرصة الاستفادة من رصيد الإجازات السنوية مع رفض دفع البدل المادي لها، وهذا ظلم بحد ذاته وله حيثيات وتفاصيل لا يتسع المقام لذكرها.
ستة عشر عاماً من العمل انتهت بشكل مفاجىء وغادرت دون أن أسمع ولو كلمة تقدير أو مجاملة واحدة، كمن تم ضبطه مرتكباً مخالفة أو متلبساً بتقصير، علماً أن الوزارة في ذلك الوقت كانت تقيم حفلات الوداع والتكريم لكل من تنتهي خدماته أو يتقاعد بغض النظر عن درجته أو منصبه، ولكنها كلفةٌ وتبعاتٌ عليك أن تتحملها بطيب خاطر إذا أردت أن تعمل في القطاع العام وأن يكون لك اجتهادك ورأيك الخاص الذي تعلنه وتتمسك به حتى لو خالف أو تعارض مع رأي الرؤساء والمسؤولين.
اليوم يأتي التكريم متأخراً ليس أياماً أو شهوراً وإنما سنوات سبع، وليس لنا في هذا المقام إلا أن نشكر من تذكرنا بعد كل هذه السنوات فأن تأتي متأخراً خير من لا تأتي أبداً. وإننا إذ نورد هذه التفاصيل لا نبتغي أن نسجل أو ندعي مجداً زائفاً أو بطولات شخصية على حساب أي كان، وانما لنؤكد أن الأمور لا تسير كما ينبغي في القطاع العام، وأن لا اصلاح في البلد يمكن أن يحصل ما لم يتحقق اصلاح القطاع العام وذلك لا يمكن أن نصل اليه دون أن يتم اختيار الموظفين حسب الكفاءة والفاعلية وان يتم تقييم أدائهم والاحتفاظ بهم أو الاستغناء عنهم طبقاً لأسس واضحة تراعي الإنتاجية والعدالة فقط بعيداً عن المزاجية والأهواء الشخصية، وبغير ذلك ستبقى الأمور ترواح مكانها سنوات طويلة.





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :