أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات عز الدين الخطيب التميمي .. الحنين إلى المسجد...

عز الدين الخطيب التميمي .. الحنين إلى المسجد الإبراهيمي - بورتريه

23-03-2023 09:30 PM
الشاهد - كتب : هشام عودة


على مقربة من المسجد الإبراهيمي في مدينة خليل الرحمن أطلق عز الدين الخطيب التميمي صرخته الأولى عام ١٩٢٨ ، لتتشبع روحه بأجواء الخليل التي كانت قرية في منظومة الأخلاق والتقاليد الاجتماعية السائدة بين الناس في تلك الفترة .

مثل غيره من الشباب يمم وجهه في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي شطر مصر ليلتحق بالجامع الأزهر، ويحصل على الشهادات التي أهلته لممارسة دوره الوظيفي الذي امتد على مسافة نصف قرن.

في فترة دراسته بالأزهر حدثت متغيرات عديدة في حياة هذا الشاب القادم من بيئة محافظة في مدينة محافظة، فقد تعرف عن قرب إلى الشيخ حسن البنا وكان مواظبا على حضور خطبه ومحاضراته غير أن ذلك لم يدفع الشاب الخليلي لدخول بيت الإخوان المسلمين، حيث حافظ على مسافة معقولة بين إعجابه بالشيخ المؤسس وبالجماعة التي تلتف حول أفكاره

وفي مصر شهد نكبة فلسطين، ورأى عن قرب دور النظام الرسمي العربي المتواطئ كما شهد عملية تنحي الملك فاروق عن العرش لصالح حركة الضباط الأحرار التي قادها الرئيس جمال عبد الناصر.

عمل الشيخ التميمي مدرساً في مصر بعد أن أنهى دراسته في الأزهر، ليتركها ويغادر إلى ليبيا ليعمل في الوظيفة ذاتها، غير انه قرر العودة إلى الخليل وعمل مدرساً في مدارسها ومدارس بعض القرى القريبة منها .

التحق عام ١٩٦٣ بمديرية الأوقاف التي تحولت عام ١٩٦٧ إلى وزارة ، وتنقل في كثير من الوظائف ذات الطبيعة الفقهية والشرعية، ليختاره الرئيس طاهر المصري وزيراً للمرة الأولى في حكومته عام ١٩٩٠، ويختاره لاحقاً الشريف زيد بن شاكر وزيراً في حكومتين متعاقبتين.

عمل الشيخ عز الدين الخطيب التميمي قاضياً للقضاة لمدة اثني عشر عاماً، سعى من خلال وظيفته لتكريس قضاء مستقل، وهي وظيفة تعطي صاحبها هالة من التقدير والاحترام في أوساط الذين يتعامل معهم، كما تم تعيينه في وظيفة المفتي العام للمملكة، وهي وظيفة فرضت على الشيخ الراحل أن يصدر فتاوى تنصف الناس وتقدم صورة زاهية للإسلام البعيد عن التعصب والتشدد.

وحين قرر الملك عبد الثاني إحالة كل مستشاريه إلى التقاعد استثنى مستشاره للشؤون الإسلامية الشيخ عز الدين الخطيب التميمي ليكون المستشار الوحيد الذي لم يغادر وظيفته .

عرف عن الشيخ الراحل وسطيته واعتداله ، وهي صورة حرص على تقديم نفسه بها دائماً ، لتأكيد وسطية الإسلام واعتداله، في مرحلة طفى فيها التشدد، حين شوهت الجماعات التكفيرية صورة الإسلام . يعرفه المواطنون من خطبه وفتاويه، وقد انتظروا كلمته كثيرا ليعلن للناس موعد صيام رمضان وموعد العيد، وقد كان في وقت مضى وحده القادر على تحديد مثل هذه المواعيد المهمة في حياة الناس.

اختير عضوا في مجلس الأعيان، كما شغل منصب رئيس أمناء جامعة آل البيت، ورئيس هيئة المركز الأردني لبحوث التعايش.

في يوم الجمعة الرابع من تموز ووري جثمان الشيخ الراحل الثرى في المقبرة الملكية، ليطوي بذلك الصفحة الأخيرة من حياته التي امتدت على مساحة ثمانين عاماً، ظل فيها قادرا على تقديم قراءة مغايرة للإسلام مختلفة عن القراءات التي تقدمها الجماعات الإسلامية المسيسة.

صدرت للشيخ التميمي مطبوعات عديدة حملت توقيعه، وبحثت في قضايا فقهية وشرعية اجتهد من خلالها لتقديم رؤيته الخاصة، في وسط مليء بالاجتهادات، كما دعا من خلال مؤلفاته وأرائه إلى التعايش والحوار بين الأديان والطوائف والجماعات، سواء جاءت تلك الآراء منفردة أو من خلال مشاركته في المؤتمرات العديدة التي حرص من خلالها على تقديم صورة الإسلام كما يريدها أهلها .

أكثر من نصف قرن ظل الشيخ عز الدين الخطيب التميمي ملتزماً بالوظيفة العامة، بدأها بالتدريس قبل أن يصبح مديراً للوعظ والإرشاد، إلى أن احتل أعلى المناصب الدينية في الدولة، لكنه لم يخف حزنه حين تقطعت به السبل مع مسقط رأسه مدينة الخليل بعد الاحتلال، وظل يحن للصلاة في مسجدها الإبراهيمي الذي حرص على زيارته أكثر من مرة، وقد اصطدم بجنود الاحتلال الذين حاصروا المسجد ، ولم يمنع ذلك الشيخ الراحل من تحقيق حلمه الذي أعاده إلى أيام طفولته وشبابه في مدينة نذرت نفسها للدفاع عن مسجدها العتيق .

تميزت علاقات الشيخ الراحل بالطيبة والود مع رجال الدين من كل الطوائف والأديان، كما بني علاقات طيبة مع رجال السياسة، وظل يعتقد أن الفهم الصحيح لأركان الدين هو المؤهل لبناء أجيال تسهم في تحصين أوطانها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :