أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات أسعار الفائدة بين مصيدة السيولة وضغوط التضحم

أسعار الفائدة بين مصيدة السيولة وضغوط التضحم

10-05-2022 01:15 AM

بقلم: الدكتور خالد واصف الوزني
أستاذ مشارك سياسات عامة
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية




يعدُّ التأشير برفع أسعار الفائدة، عبر رفع سعر إعادة الخصم، من خلال ما يسمّى عمليات السوق المفتوحة لدى النبوك المركزية مؤشراً على التحوُّل نحو سياسات نقدية تشددية، مقابل سياسات التيسير الكمي، أو التيسير النقدي، وذلك ضمن سياسات تعطي للجهاز المصرفي توجُّهات نحو رفع أسعار الفائدة لديها، إما بنفس النسبة، وإما بنسب مقاربة منها.

والواضح أنَّ العالم اليوم يسير نحو سياسات نقدية انكماشية لمواجهة تراكمات سياسات سابقة، كانت قد بدأت منذ ما يزيد على 14 عاماً، حينما عصفت الأزمة المالية العالمية بالاقتصادات، ومن ثمَّ ما تبعها من سياسات تيسير كمّي أدت إلى حقن الاقتصادات بمبالغ نقدية ضخمة، وركود اقتصادي موازي، أوصل أسعار الفائدة إلى أقل نسبة عالمية، بل انحدر بعضها إلى أسعار فائدة صفرية وسالبة في العديد من الدول.

وقد تبع ذلك أخيراً تبعات أزمة كورونا وما استوجبته من سياسات تيسير كمي إضافية، جعلت الولايات المتحدة تحقن اقتصادها بتحويلات نقدية مباشرة تجاوزت قيتمها 3 تريليونات دولار، لتكتمل الدورة الاقتصادية بالحرب الروسية الأوكرانية، وما نتج عنها من تعطُّل في إمدادات الغاز، والغذاء، وزيادات في كلف سلاسل التزويد، وخاصة الكلف اللوجستية، من نقل وتأمين وحماية، وغيرها، وتمخَّضت كذلك عن حرب عملات عالمية، دخلها الدولار بسيولة عالمية غير مسبوقة، وبضغوط على قيمته لم يشهدها من قبل.

والمحصلة ظهور بوادر تضخُّم مزدوج السبب، تضخُّم دفع التكاليف، الناتج عن زيادة الكلف حول العالم، بفعل جائحة كورونا، وتضخُّم دفع الطلب، والناتج عن الكُتل النقدية الكبيرة التي تمَّ حقنها في اقتصادات العالم، وبمبالغ ضخمة، جعلت من السيولة الضخمة مصدراً أخر للتضخُّم ورفع الأسعار.

والنتيجة أنَّ العالم وصل إلى حقبة ما يسمّى "فخ السيولة" أو مصيدة السيولة، ترافقها حقبة تضخُّم الكلفة الناتجة عن الحرب القائمة، ومتبقيات أثر جائحة كورونا.

ومن هنا بات لزاماً على العالم أن يتجه نحو ضبط إيقاع التضخُّم، وما يعنيه من إضعاف القوة الشرائية للعملات، وبالتالي التأثير السلبي في الاستقرار النقدي للدول.

ومن هنا فإنَّ التأشير برفع أسعار الفائدة من قِبَل الفيدرالي الأمريكي، والمركزي البريطاني، والعديد من البنوك المركزية العالمية، إنما هو استحقاق عالمي لضبط القوة الشرائية للعملات، ومحاربة وتجفيف وضع السيولة الفائضة عالمياً، وما يستتبعه ذلك من سياسات نقدية انكماشية، تدعو الجهاز المصرفي في العالم إلى رفع أسعار الفائدة على الإقراض، وزيادة معدلات الفوائد على الودائع، وإن كان ذلك بنسب متفاوتة.

أردنياً، فإنَّ أسعار الفائدة على القروض، وكذلك على الودائع، ليست محددة مؤسَّسياً من قِبَل البنك المركزي، وذلك منذ عقد التسعينيات من القرن المنصرم.

كما أنه ومنذ العام 1995، قام الأردن بتثبيت سعر الصرف على عملة الدولار، كما حافظ البنك المركزي على هامش فائدة بين أسعار الفائدة على الدينار والدولار، لصالح الدينار الأردني، حماية للعملة المحلية، ودعماً لاستقرارها، ورغبة في الحفاظ على القوة الشرائية للدينار، وما يعنيه ذلك من حفاظٍ على القوة الشرائية لدخل الأفراد في الاقتصاد، وخاصة ذوي الدخل المتوسط والمحدود.

وقد نجحت تلك السياسات بدعم استقرار الاقتصاد الوطني، كما أنها ساعدت في الحفاظ على مستويات الدخل الفردي، بيد أنَّ من المفيد القول، إنه ليس من المطلوب دوماً رفع أسعار الفائدة التأشيرية؛ أي سعر إعادة الخصم، بنفس النسب التي يرفع بها الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة لديه.

والمهم دوماً هو الحفاظ على الهامش بين سعر الفائدة على الدولار والدينار، ولصالح الدينار، حفاظاً على العملة المحلية، وكبحاً لأي توجُّهات نحو ما يسمّي "الدولرة"؛ أي التحوُّل من العملة المحلية نحو الدولار، وهو ما نجح الأردن في تحقيقه على مدى العقود الثلاثة الماضية، كما أنَّه ليس من المفروض أن تقوم البنوك برفع أسعار الفائدة على القروض بنفس نسب الزيادة في سعر إعادة الخصم، ولعلَّ ذلك يتطلَّب من البنك المركزي إجراء فاعل يؤشِّر للنبوك، بل ويوجِّهها، إلى عدم عكس ذلك التغيير على القروض السابقة على القرار، وخاصة قروض الأفراد المتوسطة والصغيرة.

 




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :