أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية شايفك المعشر يكتب: مأسسة العلاقة بين الحكومة...

المعشر يكتب: مأسسة العلاقة بين الحكومة والبرلمان متطلب أساسي لتحقيق التنمية السياسية

17-01-2021 11:36 AM
الشاهد -

بقلم: الدكتور رجائي المعشر

استمعت إلى كلمة النائب المحترم معالي الأستاذ عبد الكريم الدغمي عند مناقشة البيان الوزاري للحكومة الجديدة، ووجدت فيها من الفكر والفهم القانوني الدستوري العميق ما يؤكد أهمية تحديد العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. فقد طرح معاليه مجموعة من القضايا ذات الأهمية التي تستوجب التوقف عندها ودراستها وصولاً إلى توافق حولها معتمدين في ذلك على أحكام الدستور. وأرغب عبر هذه المقالة المشاركة في فهم العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.


من متطلبات التنمية السياسية توضيح هذه العلاقة ومأسستها وبناء الأعراف والتقاليد البرلمانية المبنية على أحكام الدستور لآلية عملها. وكثيراً ما نجد في عمل كل من السلطتين تجاوزات على صلاحيات السلطة الأخرى وهذه التجاوزات تولد أجواءً من عدم الثقة بالمؤسستين وفيما بينهما وتخلط الأوراق عند تقييم اداء كل منهما.


تحدد المواد الدستورية من (91) إلى (97) صلاحيات السلطة التشريعية الممثلة بمجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب. وتبين هذه المواد بالتفصيل الدور التشريعي للمجلس بما يجعل صلاحياته التشريعية واضحة بمضمونها وآليات تطبيقها. وجاءت المادة (96) من الدستور لتحدد الدور الرقابي لمجلس الأمة من خلال الأسئلة والاستجوابات حول أي أمر من الأمور العامة وتحدد آلية التعاطي معها. ويظهر جلياً من مواد الدستور والنظامين الداخليين لمجلسي النواب والأعيان أن أدوات الرقابة الواردة في المادة (96) هي:


1 – السؤال الشفهي الموجه للحكومة حول قضايا عامة تحتاج إلى رد سريع.


2 – السؤال الخطي الذي يوجهه عضو مجلس الأمة إلى الحكومة من خلال رئاسة المجلس حول قضايا عامة تحتاج الإجابة عنه إلى جمع المعلومات ووضعها في إطار يضمن أن الإجابة عن السؤال تأتي وافية.
3 – الاستجواب الذي يلجأ إليه عضو مجلس الأمة إما مباشرة للحكومة من خلال رئاسة المجلس أو تحويل السؤال إلى استجواب إذا لم تكن الإجابة وافية أو مقنعة لصاحب السؤال.
4 – طلب مناقشة سياسة الحكومة في أي من مجالات عملها المختلفة.
وتعطي التقارير المقدمة من الجهات الرقابية المختلفة مادة هامة ودقيقة لمراقبة أعمال الحكومة. وأهم هذه التقارير هي :-
1 – تقرير ديوان المحاسبة المشكّل بموجب المادة (119) من الدستور والتي تعطي الديوان الحق بمراقبة ايرادات الدولة ونفقاتها وطرائق صرفها. ويتضمن التقرير أيضاً المخالفات المرتكبة والمسؤولية المترتبة عليها.
2 – تقرير حقوق الإنسان الذي يصدره المركز الوطني لحقوق الإنسان.


3 – تقرير هيئة النزاهة ومكافحة الفساد الذي يبين أيضاً أي مخالفات مالية أو إدارية ترتقي لتشكل جرماً يحاسب عليه القانون.
يتمتع مجلس النواب بصلاحية طرح الثقة بالحكومة أو أي من وزرائها كأداة لمحاسبة المقصرين في أدائهم أو المعتدين على المال العام كما يحق للمجلس إحالة أي من الوزراء والموظفين العامين إلى النائب العام لمتابعة القضايا التي يشتبه بوجود جرم فيها استناداً إلى تقارير ديوان المحاسبة أو نتيجة لأعمال لجان المجلس وما توفر لديها من معلومات دقيقة وموثقة حول القضايا المطروحة أمامها.


ويحق لمجلس الأمة تخفيض أي بند من بنود الموازنة العامة عند مناقشة مشروع قانون الموازنة العامة إذا تبين له أن أوجه الإنفاق في هذا البند لا تمثل أولوية أو أن حجم الإنفاق أكثر بكثير من الفائدة المرجوة وغيرها من الأسباب. وهذه الصلاحية تعد أداة رقابية هامة لأنها تؤثر مباشرة في عمل الحكومة في ذلك المجال.


وتبين المواد (91-95) من الدستور كيفية أداء الدور التشريعي لمجلس الأمة:-
1 – يقر مجلس الوزراء مشاريع القوانين ويحيلها إلى مجلس النواب الذي له الحق في قبول المشروع أو رفضه أو تعديله.
2 – يرفع قرار مجلس النواب إلى مجلس الأعيان الذي له الحق أيضا في قبوله أو رفضه أو تعديله.
3 – إذا أقر المجلسان القانون يرفع إلى مقام جلالة الملك للمصادقة عليه.
4 – تبين باقي المواد آلية التعامل مع قبول أو رفض أي من المجلسين مشروع القانون أو في الحالات التي لا يرى فيها الملك التصديق على القانون.
وتعطي المادة (95) الحق لعشرة أعضاء أو أكثر من أعضاء أي من المجلسين أن يقترحوا مشاريع قوانين. ويحال الاقتراح الى اللجنة المختصة في المجلس فإذا أقر المجلس الاقتراح يرسل إلى الحكومة لوضعه في صيغة مشروع قانون وتقديمه للمجلس في الدورة نفسها أو التي تليها.
ترسل الحكومة مع كل مشروع قانون الأسباب الموجبة لإصداره. وتبين هذه الأسباب الحاجة إلى استصدار قانون ما لتحقيق أهداف سياسة الحكومة في ذلك المجال من عملها. وتوفر الأسباب الموجبة فرصة لمجلس الأمة لمراجعة سياسة الحكومة في مجال مشروع القانون وقبوله أو رفضه أو تعديله بناءً على قناعة مجلس الأمة بأهمية مشروع القانون وتوفيره الأدوات اللازمة لتحقيق أهداف سياسة الحكومة. وإذا كان مشروع القانون هو الأساس التي بنيت عليه سياسة الحكومة فإن رفضه يعني رفض سياسة الحكومة في ذلك المجال.
ولتعزيز مبدأ الفصل بين السلطات وتوضيحه جاءت التعديلات الدستورية في العام 2011 وقد نصت هذه التعديلات صراحة على عدم جواز إصدار السلطة التنفيذية لقوانين مؤقتة خلال الفترة التي يكون فيها المجلس غير منعقد بدورة عادية أو غير عادية إلا في الحالات الطارئة وبذلك توقفت السلطة التنفيذية عن القيام بمهام التشريع منفردة إلى حين انعقاد مجلس الأمة.
تنص المادة (51) من الدستور على أن: (رئيس الوزراء والوزراء مسؤولون أمام مجلس النواب مسؤولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة كما أن كل وزير مسؤول أمام مجلس النواب عن أعمال وزارته).
وتحدد المواد (52-57) من الدستور آليات جلسات الثقة وطريقة التصويت وآلية محاكمة الوزراء.


تبدأ العلاقة بين الحكومة ومجلس النواب عند تقديم الحكومة بيانها الوزاري طالبة ثقة مجلس النواب على أساسه. فالبيان الوزاري إذاً يشكل ركيزة أساسية في علاقة الحكومة ومجلس النواب لأن هذا البيان يتضمن المبادئ العامة التي تحكم عمل الحكومة: التشاركية، الشفافية، المصارحة، … إلخ. وكذلك يحدد الأهداف التي تسعى الحكومة إلى تحقيقها في المجالات المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويتضمن أيضاً إجراءات تنظيمية ومشاريع قوانين تقوم الحكومة على وضعها لتنفيذ برنامجها.


الدراسة الوافية والمتأنية لبيان الحكومة من قبل عضو مجلس النواب تعطيه فرصة ثمينة لتقييم المدى الذي ينسجم فيه البيان الوزاري مع قناعاته وآرائه حول أولويات المرحلة وسبل معالجتها. وتشكل هذه الدراسة الخطوة الأولى في تحديد موقف النائب من منح الثقة بالحكومة أو حجبها أو الامتناع عن التصويت. والخطوة الثانية تتمثل في تقييم النائب للفريق الوزاري الذي سيقوم على تنفيذ ما ورد في البيان الوزاري ويُبنى تقييم الفريق الوزاري على أسس الخبرة والكفاءة وليس على أسس شخصية فالعلاقة بين الوزراء والنواب علاقة مؤسسية يجب أن تبنى على شراكة حقيقية تسعى لتحقيق الأهداف الوطنية، فإذا ما انزلقت هذه العلاقة إلى المستوى الشخصي طغت المصلحة الشخصية على المصلحة العامة وساهم الطرفان في إضعاف المؤسسات الدستورية وزادت أجواء عدم الثقة في المؤسستين معاً.


بعد نيل الحكومة ثقة مجلس النواب تبدأ العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة في المجالات التشريعية والرقابية كما وردت أعلاه وتظهر هنا مجموعة من المصطلحات التي تستخدم من المسؤولين في الجانبين. وأهم هذه المصطلحات: التشاركية بين السلطتين. فالتشاركية بحاجة إلى توضيح من خلال الإجابة عن الأسئلة التالية:


ماذا تعني هذه التشاركية؟ وما الرأي الدستوري حولها؟ وهل هناك توافق بين الجميع على ماهيتها؟ وهل تتعارض التشاركية مع مبدأ الفصل بين السلطات؟
التشاركية في رأيي تعني الاتفاق على الأهداف الوطنية العليا بمعنى أن برنامج الحكومة الذي منح مجلس النواب الحكومة الثقة على اساسه يحقق هذه الأهداف ويعالج قضايا الوطن والمواطنين. كما يعني أن برنامج الحكومة التنفيذي كما أقره مجلس النواب عند مناقشة مشروع قانون الموازنة يعمل على تحقيق هذه الأهداف أو أنه يشكل خطوة في الطريق لتحقيقها.


بعد الاتفاق على الاهداف والبرنامج يصبح دور مجلس الأمة دوراً تشريعياً ورقابياً للتأكد من أن عمل الحكومة وقراراتها تصب في تحقيق المصلحة الوطنية العليا. وهنا لا تعني التشاركية الشراكة مع الحكومة في اتخاذ القرار؛ فمسؤولية الوزير على جميع الشؤون المتعلقة بوزارته واضحة كما جاء في المادة (47) من الدستور. يبقى في هذه الحالة حق مجلس النواب في مراقبة أداء الوزير ومحاسبته ومساءلته على إنجازه للخطط والبرامج التي تم اقرارها.


والتشاركية تعني شراكة السلطتين في دعم قيم ومبادئ الدولة الأردنية في المساواة والعدالة الاجتماعية والحرية والوحدة والوطنية. وكذلك تعني العمل المشترك في التصدي لمحاولات النيل من هيبة الدولة أو زعزعة الثقة بمؤسساتها الدستورية أو التشكيك بمنجزات الدولة أو مواقفها المبدئية أو الافتراء على الدولة ومؤسساتها وقياداتها.


فالتشاركية تعني بالضرورة أن مجلس الأمة شريك مع الحكومة في تحديد أولويات المرحلة وأهدافها كما هو شريك في الموافقة على برامجها وموازناتها. ولكن لا تعني التشاركية أن مجلس الأمة شريك مع الوزير في القرارات التي يتخذها لإدارة شؤون وزارته أو القرارات التنفيذية التي يتخذها لتنفيذ الخطط والبرامج التي تم التوافق عليها من خلال منح الثقة للحكومة (الموافقة على بيانها الوزاري) أو من خلال الموافقة على مشروع قانون الموازنة. فإذا كان مجلس الأمة شريكاً في القرارات التنفيذية فإنه لن يتمكن من القيام بمهامه الرقابية كما حددها الدستور.


إنّ مأسسة العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية باتت ضرورة ملحّة لتطوير عمل المؤسسات الدستورية وتحقيق أهداف التنمية السياسية وصولاً إلى الرؤية الملكية للأنموذج الديمقراطي كما حددته الأوراق النقاشية لجلالة الملك. واعتقد أنه آن الأوان لاستفتاء المحكمة الدستورية حول هذه العلاقة لأهمية ذلك في تحقيق التنمية السياسية المنشودة.
*عضو مجلس الأعيان





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :