أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية شايفك ابو غنيمة : رصاصات الغدر التي قتلت وصفي استهدفت...

ابو غنيمة : رصاصات الغدر التي قتلت وصفي استهدفت مشروعه المقاوم

28-11-2020 06:45 PM
الشاهد -

احمد زياد أبو غنيمة


هذا ما كتبه والدي رحمه الله عن ابن خاله الشهيد وصفي التل ومشروعه الوطني لتحرير فلسطين ...

' رصاصات الغدر التي قتلت وصفي التل استهدفت مشروعه المقاوم قبل استهداف جسده'
إعداد: زياد أبو غنيمة

يستهلُّ الرئيس الشهيد بإذن الله وصفي التل كتابه فلسطين .. دور الخلق والعقل في معركة التحرير بهذه العبارة: (من أشدِّ الجوانب فجيعة في المأساة الفلسطينية طغيان المغالطات وألوان الإفتراء والتجنـِّـي على التاريخ)،ويا لشدَّ ما تنطبق هذه العبارة على حادثة إغتياله في قلب القاهرة في مثل هذا اليوم قبل سبعة وثلاثين عاما في 28 /11/1971م،فما زالت معظم الأقلام،وخاصة الموتورة والمأجورة، التي تتناول الجريمة تتجاهل الدافع الحقيقي لتلك الجريمة لتصوِّرها وكأنها عمل وطني إستهدف عدوا لفلسطين ولقضية فلسطين،بينما هي في حقيقتها مؤامرة مشبوهة لم تستهدف جسد وصفي التل بقدر ما استهدفت المشروع الذي حمله إلى إجتماع وزراء الدفاع العرب في القاهرة لإعادة بوصلة المقاومة الفلسطينية لتتوجَّـه إلى وجهتها الصحيحة في مواجهة الإحتلال الصهيوني في يافا وحيفا والقدس والخليل وجنين وفي كل أنحاء فلسطين .
إن محاولة تصوير جريمة إغتيال وصفي التل وكأنها عمل وطني ضد عدو لفلسطين هي مغالطة وافتراء وتزييف تهدف إلى التغطية عن الدافع الحقيقي المشبوه وراء هذه الجريمة وهو إجهاض مشروع وصفي الذي كان سيطرحه على وزراء الدفاع العرب لإعادة تنظيم العمل الفدائي الفلسطيني باتجاه مواجهة العدو الصهيوني المحتل لفلسطين بعيدا عن إفتعال معارك باسم فلسطين مع العمق التاريخي والجغرافي لفلسطين وللفلسطينيين،وإن هذا التحريف والتزييف والإفتراء والمغالطة تمثل أحد أبرز الأمثلة النموذجية لأبشع عملية إفتراء وتجنٍ على تاريخ وصفي التل الذي يسجـِّـل له أنه نذر نفسه منذ سنوات وعيه الأولى جنديا من أجل فلسطين توأم أردُنـِّـه الذي أحب،فالمتتبع لمسيرة وصفي التل كما تُسجـِّـلها حقائق التاريخ بعيدا عن التزييف والإفتراء تكشف أن وصفي التل رضع حبَّ فلسطين في محضن شاعر الأردن الخالد عرار مصطفى وهبي التل الذي تفجـَّـر حبـُّـه لفلسطين شعرا ولمـَّـا يبلغ العشرين من عمره وهو يحذر من خطر وعد وزير خارجية بريطانيا المتصهين اللورد بلفور لليهود بتعهد بريطانيا بمساعدتهم على إقامة وطن قومي لهم في فلسطين فأنشد :
يا ربِّ إنْ بلفـورُ أنفـذَ وعْــدَهُ كـمْ مسلمٍ يبقى وكـمْ نصراني ..؟
وكيانُ مسجدِ قريـتي منْ ذا الـذي يُـبقي عليـه إذا أزيـل كيـاني ..؟
وكنيسة العـذراء أيـن مكانهــا سيكونُ إن بُعثُ اليهـودُ مكـاني ..؟
كان وصفي التل واحدا من الجيل الذي نضج في حقبة كانت كتب التاريخ والجغرافيا التي درسها جيله تقول إن الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان تشكِّل وحدة جغرافية وتاريخية وقومية واحدة تسمى سوريا الطبيعية،وإن الأردن وفلسطين كانا وحدة جغرافية وتاريخية وقومية واحدة تسمى سوريا الجنوبية،وإن سوريا ولبنان كانا وحدة جغرافية وتاريخية وقومية واحدة تسمى سوريا الشمالية،وإن الخطر الصهيوني الذي يتهدَّد فلسطين يتهدَّد الأردن وسوريا ولبنان بنفس القدر.

التل تشبَّع بعقيدة العداء للصهيونية
متأثرا بفكر أنطون سعادة
وعندما انتقل وصفي إلى بيروت للإلتحاق بالجامعة الأمريكية وجدت أفكار وطروحات الحزب السوري القومي أرضية صالحة لدى وصفي فتأثر بخطابات مؤسِّس الحزب الزعيم أنطون سعادة الذي كان من أسبق المفكـِّــرين والسياسيين العرب في إستكشاف الخطر الصهيوني على بلدان سوريا الطبيعية التي كان الحزب يرفع شعار توحيدها في دولة سورية موحدة تعيد أمجاد أجدادهم الفينيقيين،ولم يلبث وصفي أن تشبَّـع بعقيدة العداء للصهيونية التي كانت ركنا رئيسا في فكر الحزب السوري القومي.
بأمر من حركة القوميين العرب تطوَّع التل
في الجيش البريطاني لإكتساب الخبرة العسكرية
تحضيرا لقتال الصهاينة
ثم لم يلبث أن جمع إلى جانب عقيدة العداء للصهيونية التي تشبَّـع بها متأثرا بفكر أنطون سعادة قناعة جديدة متأثرا بفكر حركة القوميين العرب التي التحق بها أثناء دراسته في الجامعة الأمريكية ببيروت،وهي قناعة تؤكد أن المواجهة مع الصهيونية قادمة لا محالة،وأن الذي سيحسم الصراع العربي الصهيوني ليس المظاهرات والخطب،ولا الصراخ بالشعارات،بل القتال،والقتال وحده،مما دفعه بعد تخرجه من الجامعة الأميركية إلى العزوف عن قبول عروض كثيرة للعمل بوظائف الحكومة التي كانت متاحة له بحكم موقع والده عرار السياسي والإجتماعي،وأصرَّ على التطوع مع بعض الشبان العرب في الجيش البريطاني لإكتساب الخبرة العسكرية ومهارات القتال عمليا تمهيدا للإستفادة منها عندما يبدأ الصراع الفعلي مع الصهيونية على أرض فلسطين،معرضاً نفسه للأقاويل والإتهامات بالعمالة للإنجليز،وفي هذا الصدد ينقل الدكتور سعيد التل شقيق وصفي في دراسة له في الرأي بمناسبة الذكرى الستين للنكبة عن المناضل الفلسطيني يحي حمودة الرئيس الأسبق لمنظمة التحرير الفلسطينية قوله إنه سأل وصفي ذات لقاء جمعه به في صيف عام 1968م:إن خصومك السياسيين لا يجدون لمهاجمتك منفذا إلا أنك كنت ضابطا في الجيش البريطاني،فما الذي ورَّطك بالإلتحاق بالجيش البريطاني لتفتح ثغرة ينفد منها خصومك لمهاجمتك وتشويه سمعتك ..؟، ويروي حمودة أن وصفي قال له:إنني لم أتورَّط بدخولي الجيش البريطاني كما تقول،بل دخلته عن طيب خاطر،وبناءً على خُـطة،وعن سابق تصوُّرٍ وتصميم،فقد كنت خلال دراستي في الجامعة الأميركية،وبعد تخرجي منها،منتظما في حركة قومية عربية كانت تضمُّ الكثير من الشباب العربي،وكنا في هذا التنظيم على قناعة بأن القتال هو وحده الذي سيحسم صراعنا مع اليهود،وأن الذي يمتلك مقومات القتال بصورة أفضل هو الذي سينتصر ويفوز بأرض فلسطين،وقد عزَّز قناعتنا هذه ما لاحظناه من تسابق الشبَّـان اليهود بأعداد كبيرة إلى التطوع في الجيش البريطاني،ولما لم يكن أمامنا وسيلة للتدريب على القتال إلا التطوُّع في الجيش البريطاني،فقد أوعزت الحركة لبعض شبابها ليكونوا القدوة لغيرهم من الشباب العرب،فتطوَّع البعض وكنت واحدا منهم،وتقاعس كثيرون،ويقول حمودة أنه سأل وصفي : لماذا لا تعلن هذه الحقيقة حتى لا يستمر خصومك بتشويه سمعتك ..؟ فأجابه وصفي:إن ما قمت به كان في اجتهادي واجتهاد تنظيمي واجبا نحو وطني وأمتي،وليس من الأخلاق الوطنية أن يتفاخر الإنسان بما يقوم به من واجب تجاه أمته ووطنه،ولكن سيأتي يوم،عندما تنتهي مرحلة التهريج والكذب،يعرف فيه قومنا أن تطوُّعي مع بعض رفاقي في الجيش اليريطاني كان تحضيرا من أجل القتال في فلسطين.
التل قائدا لفوج اليرموك
الرابع في جيش الإنقاذ
عندما بدأت ملامح المعركة تلوح في الأفق ترك وصفي التل الجيش البريطاني والتحق بجيش الإنقاذ قائدا لفوج اليرموك الرابع الذي كانت ساحة عملياته في شمال فلسطين،وكان قائد جيش الإنقاذ فوزي القاوقجي،وكان من ضباط فوج اليرموك الرابع الذي قاده وصفي عبد الرزاق اليحي القائد السابق لجيش التحرير الفلسطيني ووزير الداخلية في حكومة سلطة أوسلو الذي ينفـِّـذ أوامر الجنرال الأمريكي كيث دايتون لإستئصال فصائل المقاومة في الضفة الغربية وفي مقدمتها حماس والجهاد الإسلامي حسب الخُـطة الأمريكية الصهيونية الرغالية،وعندما فرضت الهدنة أدرك وصفي أنها فرضت لصالح اليهود لتمكينهم من تعزيز مواقعهم وجلب أسلحة جديدة فرفضها وقرر الإستمرار في القتال ، فأصدر قائده المباشر حسني الزعيم قرارا بنقله لإبعاده عن ساحة القتال،ثم سجنه وكاد يعدمه بتهمة التعاون مع أنطون سعادة للقيام بإنقلاب في سوريا يتزامن مع الإنقلاب الذي قيل إن الحزب السوري القومي حاول القيام به في لبنان ولما فشل التجأ سعادة إلى سوريا فقبض عليه حسني الزعيم وسلمه إلى الحكومة اللبنانية التي كان رئيسها رياض الصلح فقامت بإعدامه رميا بالرصاص،أما وصفي فقد نجا من الإعدام بعد تدخل شخصيات سورية وأردنية.
بعد هذه السبعة والثلاثين عاما التي مرَّت على جريمة إغتيال الشهيد بإذن الله وصفي التل لم يعد مقبولا ولا معقولا أن يستمر البعض في تصوير جريمة إغتيال وصفي كعمل وطني ضد عدو لفلسطين وللفلسطينيين،ولم يعد مقبولا ولا معقولا الإستمرار في تجاهل الدافع الحقيقي وراء إغتياله،ولا بد أن توضع الجريمة في إطارها الحقيقي،جريمة إستهدفت مشروع وصفي التل لإستنقاذ المقاومة من مغامرات المتاجرين بفلسطين قبل أن تستهدف جسده.
ولكي تتضح الصورة على حقيقتها،وحتى لا يبقى عند أي فلسطيني وعربي أي شك في أن الرصاصات التي قتلت وصفي التل قتلت معه مشروعا قوميا مخلصا لإدامة المقاومة،لنقرأ بموضوعية بنود المشروع الذي حمله وصفي التل كوزير للدفاع في حكومة المملكة الأردنية الهاشمية إلى مؤتمر وزراء الدفاع العرب في دورته التي عقدت بالقاهرة في أواخر تشرين ثاني 1971م،والذي أجهضته رصاصات الغدر التي أودت بحياة وصفي:
1- إعادة تنظيم الجبهات العربية المواجهة لإسرائيل بأربع جهات رئيسية، ثلاث جبهات دفاعية بصورة رئيسية وجبهة رابعة للهجوم والتصدِّي.
2- الجبهات الثلاث هي الجبهة الجنوبية وتتشكل من القوات المصرية، والجبهة الشرقية وتتشكل من القوات الأردنية والقوات العراقية، والجبهة الشمالية وتتشكل من القوات السورية والقوات اللبنانية، والوظيفة الرئيسية لهذه الجبهات هي صد العدوان وردعه كلما حاول الاعتداء أو التوسع أو الإنتقام.
3- الجهة الرابعة وهي الجبهة الوسطى وتتشكل بصورة رئيسية من المقاومة الفلسطينية لاستنزاف العدو، كما تتحرك هذه الجبهة وتهاجم من جميع الجبهات ومن الداخل وفي إطار استراتيجية عربية محددة للمواجهة.
4- تقوم الجبهات الثلاث بدعم الجبهة الرابعة ومواجهة جميع ردود فعل العدو على تحركاتها.




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :