أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات السلام الذي سيصنع حربًا

السلام الذي سيصنع حربًا

12-09-2020 02:35 PM

د. منذر الحوارات


ربما لم يتفاجأ الكثير من المراقبين للخطوة الإماراتية تجاه دولة الاحتلال وصدور البيان الثلاثي الأمريكي الإماراتي الإسرائيلي، فقد استبقت هذه الخطوة بمسيرة طويلة بدأت تظهر ملامحها منذ العام ٢٠١٥ وربما قبل ذلك، لكن الملفت حقيقةً هو جعل القضية الفلسطينية وحلها محور هذه الخطوة، علماً أن البيان اقتصر على إيقاف عملية الضم وحينما تحدث عن السلام كان ذلك في إطار خطة ترامب التي رفضها الفلسطينيون سابقاً، فهل كان إيجاد حل لقضية الفلسطينيين هو غاية هذا التقارب ام وراء النص المعلن أهداف أخرى لم تتكشف بعد ؟

حتى يتسنى الإجابة على هذا التساؤل لابد من تفكيك محتويات البيان وقراءتها بعيداً عن أي موقف مسبق، ولنبدأ من الفقرة الثانية والتي تتحدث عن التحديات المشتركة بين الدول الثلاثة فهل هي واحدة بالنسبة للدول الثلاثة ؟ وهل موقف كل طرف سيتناغم مع خطوات الأطراف الأخرى ؟ ولنحصر هذه التحديات في منطقة الشرق الأوسط حتى لا يتوسع المجال كثيراً، فما هي الأخطار التي تهدد دولة الإمارات العربية ؟ يمكن حصرها بخطرين اثنين رئيسيين أولهما إيران التي تحتل الجزر الإماراتية الثلاثة وتهدد امن الخليج ومستقبل الاستقرار فيه ، وتتبنى خطة عسكرة تصل لحدود بناء قوة نووية، والخطر الثاني الذي حددته أبو ظبي منذ سنوات الربيع العربي ويتمثل بتيار الإسلام السياسي وواجهته الرئيسية الإخوان المسلمين، لقناعتها بأن هذا التنظيم هو الخطر الرئيسي الذي يهدد النظام الرسمي العربي في المدى الحالي والبعيد لما يمتلكه من حضور تنظيمي قوي وجماهيري واضح، لكنه وجد داعماً ومسانداً له في تركيا وحزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي، ومن هنا تحولت أنقرة بموقفها هذا إلى واحد من الإخطار التي تراها ماثلة أمامها، ولديها القناعة الراسخة ان تركيا تسعى جادة لإعادة نفوذها الامبراطوري من خلال العثمانية الجديدة وتستثمر بذلك التنظيمات الإسلامية ومنها الإخوان المسلمين ليكونوا أدوات في هذا المشروع ، وقيادة العالم الإسلامي السني والهيمنة على ساحته الجيوسياسية هدف استراتيجي لتركيا وهذا بالنسبة للإمارات لا يتفق مع رغبتها المتنامية للقيام بدور قيادي في المنطقة لذلك هي تحدد تركيا بذاتها كخطر على مصالحها، أما القضية الفلسطينية فليس لدى الإمارات تماس مباشر معها إلا من خلال موقفها في الجامعة العربية، وهي ليست خطراً يهدد الإمارات بقدر ما تنظر إليه الولايات المتحدة و”إسرائيل” .

لنقف عند المشتركات بين كل خطر من هذه الإخطار بالنسبة للأطراف الثلاثة ، بالنسبة لإيران وهي الخطر الرئيسي بالنسبة لها وهذا واقعي، وجميع العرب يتفهمون ذلك ويقفون إلى جانبها في حدود التنديد والشجب ولكن هل الولايات المتحدة وإسرائيل ينظران إليه كما تريد أو تطمح الإمارات، بالنسبة للولايات المتحدة إيران واحدة من محور الشر وتنظر إليها بشكل متخم بالريبة والشك وقاعدة هذا الموقف، احتلال السفارة الأمريكية حينما ابتدأت الثورة هناك وهذا يشكل اكبر امتهان لأمة عظمى مثل الولايات المتحدة، وأستمر التنمر الإيراني على الولايات المتحدة بمحاولة نشر الثورة وزعزعة استقرار حلفاء الولايات المتحدة، فهي أجهضت جهد الولايات المتحدة في العراق وهيمنت عليه وطورت برنامج نووي وصل حتى أعتاب امتلاك قنبلة نووية، ونشرت إيران ميليشياتها في طول المنطقة وعرضها، كل ذلك ولم يدفع الولايات المتحدة لتغيير خياراتها تجاه إيران، وخيارها الوحيد كان دفع إيران إلى طاولة المفاوضات، حتى حينما دخلت والإطراف الموقعة على اتفاقية إطار العمل المشترك زمن اوباما كان ذلك تنازل وامتهان أمريكي لتاريخ من الإخفاقات الأمريكية في إيران وحتى حينما غضبت أمريكا زمن دونالد ترامب كان جُل ما فعلته الانسحاب من الاتفاق وبدء سلسلة من العقوبات التي تمرست عليها إيران وتعلمت وطورت طرقاً عديدة للالتفاف عليها، ورغم كل تلك السنوات لا تزال ايران تمتلك ترسانة من الأسلحة وجيوشاً من المليشيات، ودوّل مُهيمن عليها، وتحولت بالنسبة للولايات المتحدة من خطر يهدد مصالحها الى بقرة حلوب تُدر عليها الأموال الخليجية، لشراء الأسلحة والحماية من هذا الخطر فأثمرت قواعد عسكرية وتجييش للمنطقة، بدا واضحاً كذب الولايات المتحدة تجاه حرصها على امن الخليج حينما قامت إيران بضرب مصافي ارامكو في المملكة العربية السعودية اذا بدا الرد باهتاً بلا قيمة في ردع إيران وإيقافها عن تمردها على المنطقة، ألا يشير كل ذلك ان الولايات المتحدة ليس في وارد الدفاع عن احد حتى لو دخلت معه في حلف استراتيجي، الا يشير ذلك إلى أن الخطر الإيراني ليس مشتركاً بنفس المستوى بين الولايات المتحدة والإمارات ؟

أما المشترك بين الخطر الإيراني لإسرائيل والإمارات، فعلى مدى تاريخ العلاقة المتوترة بين طهران وتل أبيب لم تكن ثمة مواجهة مباشرة بينهما وكانت دوماً من وراء حجاب، وإيران حافظت على مستوى من التوتير بينها وبين إسرائيل إلى مستوى لا يصل أبدًا إلى حد الاعتراك المباشر فالوسطاء جاهزون لتولي المهمة، وألتزم الجميع بخطوط أسموها حدود اللعبة والتي كانت دوماً تدار بخطوط ساخنة تضمن أن لا تنزلق الأمور، وفي إطار هذه الخطوط والوكلاء استخدمت إسرائيل ايران كبعبع تجيش من خلاله المجتمعات الغربية والولايات المتحدة لجلب دعم بلا حدود، بالأسلحة الفائقة التطور والمال والدعم السياسي، وحتى الخطر الأساسي الذي ترى اسرائيل بأنه يهدد وجودها وهو البرنامج النووي الايراني فهي مطلعة على ادق تفاصيله من خلال عملية تجسس مكنتها من تحديد مكامن الخطر في هذا البرنامج ما سيمكنها من التعامل معه بمنتهى الدقة، اذاً هل تشترك اسرائيل والامارات في هذا الخطر بنفس المستوى بحيث تدخل اسرائيل في صراع عسكري لمصلحتها ؟

أما الخطر المشترك الثاني وهو التيار الإسلامي وتركيا الحالمة بمشروع إمبراطوري جديد، فهل يقع بنفس المنزلة لدى الأطراف الثلاثة؟ بالنسبة للولايات المتحدة تركيا دولة إستراتيجية فهي عضو في الناتو وشريك مهم في قضايا عديدة في سوريا، في الحرب على الإرهاب، ومن الممكن إن تختلف معها في قضايا عديدة لكن الملاحظ أن الولايات المتحدة تفصل الملفات في علاقتها معها فهي قد تختلف معها هنا وتتفق معها هناك، فهي بالنسبة لها الآن البعبع الذي تطلقه في وجه التنمر الأوروبي حيالها وهي لذلك تطلق يدها في البحر الأبيض المتوسط وتتغاضى عن الكثير من سلوكيات أنقرة المستفزة للعديد من الدول، أما دعمها لجماعة الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية فلم يتكون لدى الولايات المتحدة موقف معادي لهذا التيار الذي تسميه بالمعتدل وبالتالي لا تتفق في نظرتها هذه مع أبو ظبي، الأمر الذي يجعل هذا الخطر ليس مشتركاً بين الطرفين الأمريكي والإماراتي، اما بالنسبة لإسرائيل فتركيا شريك اقتصادي واستراتيجي وإن بدت اللهجة غير ذلك فتركيا دولة كبيرة ولإسرائيل مصلحة في بقاء العلاقات معها في حدود اللا عداء أو بنسبة الفتور المقبول، أما موقف إسرائيل من التيار الإسلامي فلا يتجاوز الموقف من حماس، وهذه العلاقة منضبطة بحدود لعبة دقيقة بين الطرفين تضمنها مصر وقطر مع اختلاف المصالح، إذا فهذا الخطر لا يمكن اعتباره مشتركاً بين الأطراف الثلاثة.

بالعودة إلى نصوص البيان ففي فقرتين متلاصقتين تم الحديث عن أجندة إستراتيجية للشرق الأوسط لتوسيع التعاون الدبلوماسي والتجاري والأمني، اذاً تجاوز البيان حدود مصالح الدول الثالثة ليتحدث عن فضاء جيوسياسي واسع يشمل المنطقة برمتها ماذا يعني ذلك؟، تحالف اقتصادي أو سوق مفتوحة، أم تحالف امني؟ والواضح انه لن يشمل فقط الدول الثلاثة فمن سيشمل ؟ وما هي عقيدته ؟ ومحدداتها في ظل ما ذكرناه سابقاً، ومعلوماً ان عقيدة الرئيس الأمريكي باراك اوباما ما زالت مهيمنة على السلوك الأمريكي وهي الانسحاب من البؤر الساخنة في المنطقة وتركها لوكلاء محليين يقومون بالأعباء التي حملتها خلال العقود السابقة، أهو ناتو جديد بإدارة أمريكية من الخلف ؟ يبدو ان هذه الفكرة هي الأكثر ترجيحاً، ويبدو ان إسرائيل هي وكيل الولايات المتحدة هنا ودوّل المنطقة هي الأدوات، أليس هذا الطرح كارثياً، لأنه سينقل مباشرة الهيمنة على منطقة الخليج من إيران والسعودية إلى إسرائيل وتصبح هاتين الدولتين مجرد أدوات في مشروع إسرائيلي أمريكي للهيمنة، هل تقبل السعودية بذلك ومصر طبعاً سيتحول دورها لحدود واحد من الأدوات في هذا المشروع، بدون شك القبول بهكذا مشروع هو انتحار جيوبوليتيكي لن يتم قبوله من قبل السعودية او مصر وربما يدفع إيران لتقصير المسافة بينها وبين السعودية لحل خلافاتهما للابتعاد عن خطر التهميش وهذا. مرهون بالمنطق الذي ستفكر فيه هذه الأطراف .

وبالعودة إلى البيان والفقرة قبل الأخيرة (وسيواصل الطرفان جهودهما للتوصل إلى حل عادل وشامل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وبحسب خطة السلام ، ويجوز لجميع المسلمين ان يأتوا لزيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه إلى آخر الفقرة )، ألا تعتبر هذه الفقرة اعترافاً بصفقة القرن التي رفضها الفلسطينيون وهي نفسها التي تتضمن خطة الضم؟، وهل اقتصر حق المسلمين في المسجد الأقصى والأماكن الدينية الأخرى على الصلاة فقط ؟، الا يساوي ذلك اعترافاً بسيادة إسرائيل على القدس بأماكنها المقدسة وحاراتها القديمة؟، أليست القدس هذه عاصمة الدولة الفلسطينية التي أقرتها القوانين الدولية، والمبادرات العربية؟، وهذي الفقرة تنسف فقرة سابقة بإيقاف الضم بموجب هذا البيان لأن هذا النص جعل الوصول الى حلّ يستند فقط الى خطة ترامب وهي التي تلغي حق الفلسطينيين في السيطرة على ما وعدوا به عقود طويلة، هل يكفي أن إسرائيل متعنته يجعلنا هذا ننصاع لرغباتها ؟

لقد كان الفضاء العربي ذخراً استراتيجياً للفلسطينيين وإن لم يخض حرباً فقد كانت مجرد مقاطعته لهذا الكيان تجعله يستمر في كونه غريباً ومرفوضاً وهذا بحد ذاته مهم، وإسرائيل بهذا البيان استطاعت أن تخترق هذا الجدار وهذا مكسب كبير لها، ويبدوا أن الاتصالات السرية السابقة بين إسرائيل وبعض الدول العربية وتحت سقفها أعطت إسرائيل مكاسب اهرى كنقل السفارة الأمريكية إلى القدس وقطع الدعم عن الأونروا، وها هي تتجهز لتصبح الطرف المهيمن على الفضاء الأمني والاستراتيجي لمنطقة الخليج العربي وربما المنطقة العربية، وهي بنفس الوقت ستجد هناك سوقاً متمرساً على الاستهلاك بأعلى درجات الرفاهية، وهي في كل ذلك لم تدفع شيئاً لا على صعيد الحقوق الفلسطينية ولا على صعيد الالتزامات المالية والعسكرية، أما الولايات المتحدة فتكسب الكثير المال المتأتي عن الصفقات، استمرار هيمنتها على المنطقة بواسطة الوكلاء وهي لن تحارب مع احد ولا من اجل احد، اما الإمارتين أو أي طرف خليجي آخر فجميع مكاسبهم مؤجلة، فالخطر الاستراتيجي الإيراني سيبقى قائماً ولن تطلق أي طلقة من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة على إيران لمصلحة الإمارات، أو أي دولة أخرى، أما الإخوان المسلمين فأعتقد أن الولايات المتحدة لن تفتح جبهةً معهم لاعتقادها أنهم ذخر استراتيجي تلوح به كبعبع في وجه الجميع، أما تركيا فستبقى هكذا دون تدخل أمريكي إلى أن يتعارض ما تقوم به مع المصالح الأمريكية والأتراك يعلمون جيداً حدود تلك المصالح ويقفون عند تلك الحدود، أما خط أنابيب النفط من الخليج إلى ميناء حيفا أو البحر المتوسط فسينقل الخطر على النفط من إيران إلى إسرائيل ولكن هنا يكفي إسرائيل أن تغلق الصنبور فقط ولا تحتاج إلا الى ذلك لتجعل الجميع يترنحون ويستجدون تل أبيب، أما ال اف ٣٥ والتي يُرهن قبولها بموافقة إسرائيل فتحتاج لسنوات حتى تتم على ارض الواقع وأي إدارة أمريكية قادمة تستطيع إيقاف الصفقة بدون حتى إبداء الأسباب.

يبدو الأمر عجيباً بموجب هذا المعطيات لقد قبض الجميع إرباحهم سلفاً باستثناء الإمارات التي بقيت أرباحها في حكم الموعود، بل وعليها أن تقدم المزيد لدرجة انها تجاوزت حسابها إلى حساب الآخرين الأشقاء، فالفلسطينيين خسروا هنا، نعم خسروا الإمارات وأي دولة خليجية أخرى ودعمها الذي لم ينقطع يوماً، الأردن خسر فتجاوز ولايته على الأماكن المقدسة يعتبر مساً وانتهاكاً لدوره، فهل تم إعطاء حق الأخ والشقيق لابن العم لإرضائه ولماذا؟ وما المكسب؟ فهل السلام هو الغاية،ألم تكفي تجارب ثلاثة سابقة أنه لا سلام حقيقي بدون إعطاء الفلسطينيين حقوقهم ؟ الإماراتيون أذكياء لقد حولوا الصحراء إلى جنة يحج إليها كل عشاق الحياة والرفاهية، وبدون شك أنهم يفكرون بعقلية مختلفة، مكنتهم من النجاح في كل خطواتهم السابقة ، لكن الأكيد رغم كل ذلك أن السلام لأجل السلام لن يصنع السلام بل سيعطي إسرائيل دفعةً جديدة من الحيوية لتحقيق مشاريعها في المنطقة ولكن هذه المرة من بوابة الصديق الموهوم لا من بوابة العدو الحقيقي، لكن الخشية الحقيقية هي أن تكون هذه الخطوة هي المقدمة الأولى لحرب قادمة بين العرب في خليج العرب وإيران توهم فيها الولايات المتحدة وإسرائيل الطرف العربي بأنهما شريكان لهم ليبدأوا الخطوة الأولى ومن ثم يجلسان على مقاعد المتفرجين بينما العرب والإيرانيون يستنزفون دمائهم وأموالهم ومستقبل أجيالهم ثمناً لصراع صفري لا نتائج ترتجى منه .




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :