أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات إلى المُتنمّرين .. هذه دار "وصفي"

إلى المُتنمّرين .. هذه دار "وصفي"

28-03-2020 11:29 AM

إنتصفت ساعة الصيف على دار 'وصفي' ، والليل السائل على وجه المدينة ليس إلّا كُحل الباكيات في السماء ، ترى الغيمَ الأبيض يطوف كصوفيّ فوقها ، وكأنّه طبيبٌ لا يقوى على إنهاء مناوبته الليليّة وهو يسمع صدر المدينة يئِنّ ، ترى الأسوارَ تتقوّسُ على الأسوار ، كأمٍّ تتقوّسُ على أبناءها الصغار ، ترى القُرى تشدُّ سلاسل القُرى ، وكأن القُرى غدت قريةً واحدة ، ترى الشواخص الإرشاديّة على مداخل ومخارج المدينة جميعها إستدارت نحو بعض ، فأينما ولّيت وجهك فلن تُبصر إلّا 'دار وصفي' ...

تأبّى أبجديّة الأردن أن تقول : 'هناك' بل 'هنا' أمّ الوطن و 'عقال الراس' هنا 'إربد'.

ما زالت جبال 'عمّان' ترفع قبعتها العسكريّة كلّما مرّ أسم 'وصفي' من أثير مذياعٍ في مركبة ، أو كلّما مرَّ من صفحة كتابٍ للتربيّة الوطنيّة في إحدى مدارس (جبل عمّان) ، أو من بين دِلال القهوة في حديث الجدّات ، أو في ذاكرة جيلٍ يذكر جيداً كيف تنفّس الوطنُ يوماً من رئة 'وصفي' ، وكيف كنّا نتلثّم 'بشماغه' كلّما ضاقت حنجرة الوطن ، وكيف كانت 'مفكرة جيبه' أنجع وصفةٍ لدواء عربيّ ، إذا ما لفحت الحُمى جبين الوطن . هي دار وصفي وعرار وكايد العبيدات وغيرهم من الأحرار الذين علّقوا صورهم على 'حيطان الذاكرة' .


إلى كلّ المتنمّرين والساخرين والعابثين باللُحمة الوطنيّة أقول : في الوقت الذي كانت فيه أمّ الوطن 'دار وصفي' تتأوّه تحت وطأة المرض ، وتسعلُ تحتَ حُمى الوجع ، كان هناك اللاف من أبناءها يضمّدون في المشافي أوجاع ابناءكم ، وجنداً من أبناءها لم يناموا كي تناموا ، وزنوداً نبشت بأظافر الصبر الحقول والمزارع كي تأكلوا ، وصفوة من المثقفين والمفكّرين كانوا لكم تنّور نورٍ ، فلا تجلدوا الوطن ، ولا تقدّوا قميص 'يوسف' ، فاليوم 'يوم المرحمة لا يوم الملحمة' ،


'إربد تحت سيطرة الجيش العربي' ، كانت تلك هي العبارة التي صدحت بها مُكبّرات الصوت لحظة دخول جيشنا الباسل إلى المدينة وقُراها ، وهي اللحظة ذاتها التي آمنتُ يقيناً حينها بأن 'دار وصفي' بخير ، هذا الجيش الذي لم يقوَ على البقاء في ثكناته وهو يعلم أن خاصرة الوطن تئِنّ ، فطوّقها كما تطوّق قلائد الجُند أعناقهم ... في وطني فقط يصبح الجنّدي طبيباً ، ويصبح المقاتل مُسعفاً ، وتصبح عربة الجيش سيّارة إسعاف ، ويصبح لِثام العسكر كمامةً ، وتصبح بحّة أصواتهم 'وصفةً طبيّةً'.

اليوم ونحن في بيوتنا تخرقُ أرواحنا وقلوبنا 'حظر التجوّل' ، وتمشي بلا كمّامات في شوارع 'إربد' وألويتها ، وقُراها ، وجبالها ، وهضابها ، وسهولها ، وحقولها ، ودواوينها ومضافاتها ؛ متضرّعين للطيف الحكيم أن يرفع عنها وعن الوطن والأمّة والبشرية جمعاء البلاء والوباء وسيء الأسقام .

المحامي
حمزة عيسى الفقهاء




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :