أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات وأمسى السِّباب وسيلة للتواصل !

وأمسى السِّباب وسيلة للتواصل !

08-03-2018 11:11 AM



ناديا هاشم / العالول
ما دعاني لكتابة المقالة هو مشاهدتي مؤخرا لبرنامج على احدى الفضائيات "العالمية" تم فيه تمجيد لغة السّباب والشّتيمة رابطينها بمدى حرارة الصدق والإخلاص المعجونة بنيّة المتكلّم الحقيقية .. فيا للعجب,فما كان مرفوضا قبل عشرين عاما مضت أصبح مقبولا الآن بل محمودا عند البعض وهذه مؤشرات لا يجوز تجاهلها لأنها تحمل بطياتها رسالة تحذّر من تردّي مستويات اللطف والذوق والأخلاق إلى أدنى المستويات! إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا يرفض البعض وجود "الزمن الجميل" مؤكدين بأنه لم يكن حقيقة جميلا كما يتوهم الكثيرون بجماله لخلو طفولتهم وشبابهم من المسؤوليات ،ولهذا يبدو جميلا بعيون هؤلاء ممن غادروا مرابع الطفولة وساحات الشباب .. وإن يكُنْ ! فبالله ما رأيكم بالطفولة المُغتالة يوميا بزمننا على الصعد كافة ،هل ستشعر بجمال الزمن المعاش ؟ نشكّ بذلك!
صحيح أن الزمن الجميل لم يخل من المنغصّات .. إلا أن الخير والأمل وطيب المعشر والعطاء والإخلاص .. الخ التي ازدحمت بها أيّامه ، تراجعت الى الصفر او حتى ما دون الصفر بزمننا هذا والحبل على الجرّار ..وكيف لا وإطلاق اللعنات المرفوضة أصلا بالزمن الجميل اصبحت مقبولة بعد ان غزت لغتَنا سلسلةٌ همجيةٌ من الألفاظ لتصبح إحدى ركائز التواصل اللفظي بين البعض .. ثقافة كلامية بذيئة المحيّا والمضمون غزت مصطلحاتنا تدريجيا على استحياء أولا ، فتارة تنبع من داخل المجتمع نفسه ،وتارة أخرى تنصبًّ علينا من خارجه ، لتتراكم بكثافة ،وتصبح عادة كلامية عند البعض ، حتى تغلغلت بالسلوكيات لتصبح بدورها ظاهرة غير مستحبَّة بل مرفوضة لكنها تفرض نفسها على ثقافة المنظومة المجتمعية سواء المحلية او العربية أو العالمية .. ثقافة جمْعية غير مستحبَّة تتنافى مع محصّلة الذوق والفن والأخلاق التي نطالب بهاعادة كل من يقود مركبة - سيارة- ليصل الى بر الأمان ،والشيء نفسه ينطبق على من يقود دفّة أي حديث أو يشارك فيه إذ لابد وان يلتزم بمعايير وحدود وقوانين المخاطبة والتواصل اللفظي المحترِم للآخر..
فهل يعقل ان لا تخضع قيادة المركبات والطائرات .. الخ لقوانين ومعايير السلامة وتصل بسلام ؟
نشك بذلك ! وكذلك الحوار له قواعد وأصول .. ولهذا لا بد من تسليط الضوء على الإعلام المرئي ،والأفلام السينمائية المتَّسِمة بالعنف الجسدي واللفظي بتعبيراته القاسية والتي تدنّت تدريجيا لتصل الى مستوى وضيع خلق معه ثقافة سلبية، باتت تلقي بثقلها على حوارات البعض متخذينها نموذجا سلبيا يخترق الحوارات الأيجابية بل يتفوق عليها .. ناهيك عن -العَرَبيزي -اللغة المتداولة بعض عند العلى وسائل التواصل الاجتماعي للظهور بمظهر ال "كوووووول" COOL.. ليندرج تحت مظلة زائفة من التطور والغرور ..الخ مضيفا بفعلته على الطين بلّة .. وهكذا نقبع بين لغة العربيزي الهجينة التي تنسينا "عربيتنا" الأصيلة مشوهّة إنجليزيتنا التي شقينا بتعلّمها منذ الصغر ، بينما تؤطرها الشتائم فتضيع المفاهيم وتتخبّط الهوية .. والمصيبة ان لسان البعض يقول : دعهم ينفِّسون عن انفسهم !
لا يا ساده يا كرام .. فالتنفيس له ثقافته وأصوله ،اما المسبّات التنفيسية بهدف الترويح عن النفس كلها تؤذي معنى حرية الرأي ، والغريب ان كلَّ من يرفض التداول بهذه العملة الرخيصة من الشتائم يُتَّهم بِقِدَمِ العقل ! ونحن نقول : يا مرحبا بالقديم الأخلاقي .. للأسف لا يتقن البعض فن الإختيار مختارين دوما الأسوأ ،مؤكدين بدورنا ان اللغة القبيحة سيكون مضمونها أقبح .. وكلَّ إناء بما فيه ينضح ! الغريب انهم أنفسهم يطالبون الآن بمحاربة العنف بأنواعه من لفظي وجسدي .. الخ ولكنهم يصفّقون لمتداولي المسبّات والشتائم واصفينهم بالصادقين ، مناقضين رفضهم للعنف اللفظي المرفوض اجتماعيا ونفسيا وقانونيا ،لأن العنف اللفظي يسير يدا بيد مع الشتيمة مقللا الاحترام والتقدير للآخر ، مضعفا من شخصية المعنّف، فيهز ثقته بنفسه، ليشعر بالخوف وعدم الأمان، مُغرقا إياه ببحر من اكتئاب تصعب عليه النجاة منه .. وجرْح اللسان امضى من جرْح السِّنان!
المصيبة انهم يبررون بأنّ استعمال البعض للشتيمة لهو دليل على صدق نيّة وإنتماء الشاتمين ، فاتحين المجال لمزيد من السباب! فنتساءل : وهل تداول الشتائم يعني صدق المتكلم ؟ فهنالك لغة راقية تصدح كالقيثارة لها صدى أقرب للنفْس والعقل من السَّب والشتم ! ونتيجة لهذا التراجع تلعب التراكمات الماضية من سيْل الشتائم ..الخ بتهيئة البنية التحتية لاستقبال كل قبيح قادم من تعصب ورفض وقتل الآخر .. والمصيبة ان بعض طلابنا ممن درَسوا ويَدرُسون بالخارج يعودون لأرض الوطن محمَّلين بكم هائل من المسبّات باللغة الإنجليزية، لتشكّل القاسم المشترك الأعظم بلغتهم المتداولة ، واخيرا رأينا وسمعنا بزمننا ،زمن العجائب والغرائب شخصيات بالعالم المتطور وبأرفع المستويات ، تتداول هذه اللغة الوضيعة لتُمسي وتُصبح المسبّة، والشتيمة، واللغة الوضيعة أسلوب تواصل .. بل أسلوب حياه ! hashem.nadia@gmail




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :