أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات قمْع السعادة عبْر قُمْع التعاسَة!

قمْع السعادة عبْر قُمْع التعاسَة!

28-02-2018 01:57 PM

ناديا هاشم / العالول
لا شك ان لغتنا العربية ثرية جدا ومميزة بفروعها ومعانيها وبلاغتها .. فأية حركة متغيرة بين الفتحة والضمة والكسرة ، و أيّة نقطة زائدة هنا او ناقصة هناك ، بإمكانها أن تقلْب المعنى رأسا على عقب..
فكلمتا قَمْع و قُمْع الواردتان بالعنوان تتطابقان بالأحرف و تختلفان بالمعنى نتيجة إختلاف بسيط بالتشكيل الناجم عن فتح القاف بالأولى وضم الحرف نفسه بالثانية..مؤديا لاختلاف جذري بالمضمون .. ..
على أي حال قواعد اللغة وحركاتها ليست موضوعنا المعني به اليوم ، وإنما " السعادة" ذاتها " .. نعم أعود للكتابة عنها مرة ثامنة وتاسعة وعاشرة ..الخ .. فقد دأبتُ على كتابة مقالات عدة عن السعادة منذ عقود طويلة
أذكر منها وقد يتذكرها بعض القراء مقالة "السعادة عادة" ، و ايضا " السعادة بين نصفي الكأس " .. وكتبتُ ايضا عن " المرأة والسعادة " .. الخ
ليس لأنني أطفح سعادة وأود تعليمها لغيري فكما يقولون – باب النجّار مخلّع – وإنما لأنني أملك حصة متواضعة من مخزون السعادة.. ولشدة حرصي على بقاياه من التآكل ..فأنا أحاول تسديد النصح لنفسي أولا ولغيري ثانيا ..فالإصلاح يبدأ بالنفس أولا ..
علما بان منْع تآكل السعادة الداخلي مقدور عليه لأنه يتعلق بذات الشخص نفسه .. اما التآكل الخارجي القادم والمرتبط بالتآكل الجمْعي فلا سيطرة لنا عليه.. وحتما فمحصلة اية تعاسة جَمْعية – جماعية - ستؤثر على السعادة الفرْدية لنا ولغيرنا عندما تستقر نهائيا بعُقر دارنا ..
وللمحافظة على هذا النزْر اليسير المتواضع بداخل النفْس وخارجها لا بد من تعديل ميزان السعادة الجمعية معممين معايير سعادته بالتساوي على الجميع .. فمن يعتقد بأنه سعيد لوحده لأنه بمنأى عن تعاسة الآخرين فهو مخطىء لأنه بمرحلة ما سوف تحاصره تعاسة الجموع وستقّضُّ مضجعه !
وأعود الآن لأكتب عن مفهوم "السعادة " الذي تم تداوله بكثرة بعد إستحداث حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم وزارة للسعادة ،علاوة على استحداثه وزارة للشباب واخرى للتسامح .. تترأسها ثلاث وزيرات رابطا برؤيته المرأة بالسعادة والتسامح و الشباب ..
فالمرأة معروفة بحبها للتسامح والأمن والسلام فهي بطبيعتها تكره العنف والحروب .. فما بال لو توفرت فيها المزايا القيادية من حب المعرفة والعلم وايضا قدرتها على معرفة الآخرين عبر بصيرة نافذة ،علاوة على تواضعها وثقتها بنفسها بعيدا عن العنجهية الغرور ،إضافة الى تحلّيها بالالتزام و المبادرة والتجديد وحب المعرفة والقدرة على ان تكون النموذج الذي يُحتذى به..
وهكذا بعد اطلاعنا على تفاصيل وزارة السعادة المستحدثة بالإمارات تبين بأنها تتخذ من دويلة "بوتان" نموذجا تحتذيه .. وقد سبق وأشرتُ بمقالتي " السعادة عادة " منذ سنوات طويلة الى دويْلة "بوتان " الصغيرة جدا الواقعة في الهيمالايا بين الهند والصين وتعداد سكانها الواصل في 2007 إلى "658" ألف نسمة.. وإلى "فلسفتهم " التي ورثوها وطوروها المعتمدة على التوازن بين "المادة والروح ..
"بوتان" ظلت محافظة على مركزها "الدائم" متربعة دوما على قمة أكثر شعوب العالم سعادة حتى إنتزعت "الدنمارك " منهم هذا اللقب منذ أعوام قليلة .. ثم تغلّبت النرويج على الدنمارك وهكذا .. علما بان "بوتان " بقيت حدودها مقفلة تحميها من "شرور" الآخرين حتى فتحتها عام 1970 كما ان التلفاز دخل عندهم لأول مرة في عام 1999 !
ولهذا اعتمدتْها الإمارات بخطط "وزارةالسعادة" عبر أهداف وبرامج يتم تنفيذها تؤدي للتغيير نحو الأفضل .. من خلال تطبيق نظريات السعادة على أرض الواقع ..
وشاءت الصدف أن هكذا أفكار وردت بمقالاتي الماضية ..ربما لتوارد بالخواطر .. ليس هذا هو المهم .. ولكن الأهم الذي "أسعدنا " حقا ان نجد من يفكّر من "خارج الصندوق" المؤطَّر بأفكار عفا عليها الزمن ..
صحيح أن البعض يتمتع بجينات طبيعية تنبع منها "أندروفينات" السعادة الجينية ، وهؤلاء محظوظون ، ولكن هنالك دور للديمقراطية ، وما يتبعها من عدالة اجتماعية ،والحالة الاقتصادية للفرد والبلد وانخفاض البطالة كلها من شأنها ان تساعد على رفع مستوى السعادة بشرط وجود عنصر هام طالما دعا اليه " أرسطو" وهو "السلوك الأخلاقي" ودوره بجلب "السعادة" للبشر ،وهذا ما تطرق له" أرسطو" بعِلم الأخلاق ..
والمقصود هنا من " الأخلاق " تلك التي لا ترتبط بأفراد معدودين ، بل بأخلاق الجماعات والشعوب التي تخرج بمحصلة نهائية تندرج الغالبية تحت مظلّة حُسْن الخلق!
:(إنما الأمم الاخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت اخلاقهم ذهبوا)
فالفرد يبدأ مشوار حياته بحصيلة متفائلة من السعادة ثم تبدأ بالتناقص تماما كما يمر السائل بالقُمْع
او -المُحْقان - فيبدأ هذا المخزون بالتراجع لينقّط نقْطة نقْطة نتيجة العوامل السلبية الخارجية المحيطة بالفرد والجماعة ..
ولهذا رجاء لا تقمعوا ولا تحقنوا سعادة بعضكم .. فنتيجته السلبية ستنعكس بالنهاية عليكم !
hashem.nadia@gmail




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :