أخر الأخبار
الصفحة الرئيسية المقالات رفقا بايقاعنا الداخلي !

رفقا بايقاعنا الداخلي !

23-11-2017 02:40 PM

ناديا هاشم / العالول
قد يتساءل البعض عن اي ايقاع داخلي نتحدث عنه فهذا بالنسبة لهم ترهات او فذلكات فلسفية او مجرد ترف فكري ليس أكثر.. مبررين قولهم بأن : الإيقاع مرتبط بالموسيقى حيث تتناغم الأصوات وتتوافق بالغناء والعزف ، إضافة الى علم الإيقاع – العروض- المتمحور حول دراسة الأوزان الشعرية ببحورها المتعددة..
اما الإيقاع الداخلي المذكور اعلاه فهو "سولافة "غريبة..غير مطروقة ..
ونحن نتفق معهم على ارتباط الإيقاع بالغناء والموسيقى وببحور الشعر مؤكدين بدورنا على ان الإيقاع يلازم كل صغيرة وكبيرة بهذه الحياة وفقا لقانون التوازن الكوني "والسماء رفعها ووضع الميزان "..
نعم كل شيء بميزان فأمواج البحرتتمدد بمدّ وتنحسر بجزْر وفق حركة وإيقاعات وجوه القمر .. وكذلك تداول الليل والنهار وتقلّب الفصول يخضع لإيقاعات حركة الأرض حول الشمس .. فما بال النفس البشرية؟
فإن لم تستمع النفس لما تمليه عليها ايقاعاتها اضّطربت محتوياتها الداخلية لتخرج بأمزجة متضاربة الأشكال والألوان ، متقلبة بين سعادة وتعاسة بخلال "رمْشة عيْن" نتيجة انقلاب معايير أيقاعها الداخلي بتقلباتها الخاضعة لتداخلات متعددة تهب عليها من محيطها فتنصاع لها طواعية متخلية عن ايقاعها الداخلي الخاص بها محولة إياها إلى كتلة لا اول لها ولا آخر ، نتيجة التشابك العشوائي لإيقاعات النفس الداخلية مع نظيرتها الخارجية موقعا ايانا بفوضى الإيقاع وبنشاز بالقول والفعل والسلوك ، نشاز يصم القلب والعقل والوجدان مستنزفا الجسد والروح .. ترى لماذا تتداخل الإيقاعات الخارجية بالداخلية بلخبطيطة لا مثيل لها ؟
لان الغالبية تجعل نفسها متاحة لإيقاعات الآخرين متناسية ايقاعاتها الذاتية الأصلية الحقيقية المتماشية مع صحتها النفسية والجسدية ، فتقع ضحية الاحتراق النفسي نتيجة بذْلها قصارى جهدها للسير وفق إيقاع الآخر وهذا هو مربط الفرس ..
هذه ليست دعوة لإثارة الخلافات فنحن مع الوفاق والاتفاق .. فالتوافق يكون بالتناغم بالمعاملة والسلوك والقول والفعل مع الغير دونما حاجة لتغيير الإيقاع الداخلي للذات ..
فإنجاز اي عمل او نشاط او اختراع او ابتكار وكذلك التواصل مع الآخر هو هدف بحد ذاته نسعى لتحقيقه ، اما آلية التنفيذ فتتم بداية ونهاية وفق ايقاعنا الذاتي ،عبر خطوات متناسقة تتوافق بين الداخلي النابع من الذات والخارجي من المحيط عبرعلاقة تتصف ب "الوفاق والاتفاق" .. تماما كالعلاقة الأبدية بين مركز الدائرة الهندسية ومحيطها التي تتم من خلال نصف قُطرها وفق ايقاع ثابت محسوب مصدره المركز ، محافظا بذلك على شكلها المتناسق فإذا اختل طول القُطْر وتغير انبعجت الدائرة او احدوْدَبت .. الخ وحتى يظل ايقاعنا الداخلي سليما معافى فلا بد من قياس خطواتنا وفق الزمن والمكان المتاحين لذواتنا .. صحيح انه احيانا نتيجة للضغوط الحياتية المستعجلة فإننا نحفّز ايقاعنا الداخلي على التسارع اكثر من المعتاد وهذا امر طبيعي ،ولكن بشرط ان تتماشى سرعتنا المتزايدة هذه وفق ايقاعاتنا الخاصة بنا لأن اهل مكة ادرى بشعابها وإلا سيحدث مالا تحمد عقباه .. قد ينجح الكثيرون بالسير وفق ايقاع الآخرين مجاملة لغيرهم لبعض الوقت متناسين بذلك ايقاعاتهم الخاصة بهم ،ولكن سرعان ما سيختل ميزانهم الداخلي جارفا اياهم الى مطب الضغط النفسي فتتعب النفس ويعاني الجسد وتتألم الروح .. وبخاصة بظل الايقاع الحياتي السريع هذا الذي نحاول جاهدين التاقلم عليه ، وهو بحد ذاته مصيبة كبرى فما بال محاولاتنا العديدة لتغيير ايقاعاتنا لإرضاء الآخرين علما بأنها غاية لا تدرك ..
أية فوضى حسية سنقع بها عندما يشعرالواحد منا بأن عدة قوى تتجاذبه في نفس الوقت، فالإنسان الحديث يواجه الكثير من أنماط الصراع النفسي وأشكاله المختلفة خاصة مع الإيقاع السريع للحياة، والتطور التكنولوجي السريع، وكثرة المشاغل والمغريات التي يتعرض لها الإنسان مما يخلق تضاربا بالأمزجة نتيجةهذه الضغو ط .. فكلما زادت التكنولوجيا ازدهارا وزادت نسبة الخيارات المتاحة أمام الإنسان المعاصر زادت معها الصراعات النفسية ..
ومما يزيد الطين بلة تخلّي البعض عن خطواتهم التي تمليها عليهم ذواتهم اثناء المضي قدما تماشيا مع ايقاعات غيرهم، متنازلين عن خطواتهم المتميزة بالقوة والثبات بمحاولة من جانبهم للتأقلم مع ايقاع غيرهم العشوائي .. حتما سيتعثرالواحد منهم ملحقا الأذى بنفسه وبغيره ..
مستذكرين بذلك قصة الغراب الذي حاول تقليد مشية الطاووس حتى تاهت خطواته ، فمرة تراه يمشي الخيلاء ومرة اخرى يقفز قفزا ، وشتان ما بين الطاووس والغراب !
فحذار لا تهمل ايقاعك الداخلي دعه يقودك وفق تناغمك الذاتي فهو بمثابة رادار يرشدك الى بر الأمان ، ولا يجوز تعطيلة مجاملة لغيرك ..
فما احوجنا الى تجيير معادلة "كلٌ وإيقاعه" كأحسن توليفة تجمع بين ادارة الوقت للانجاز مرضيا بذلك نفسك من جهة ،وغيرك من جهة اخرى .. مختصرين بذلك الكثير من صراعاتنا مع النفس ومع الآخر..
فعلا .. رفقا بايقاعنا الداخلي .. فإبقاؤه سليما معافى سيثبت اقدامنا ويضمن وصولنا لبر الأمان!





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع جريدة الشاهد الاسبوعية - الشاهد علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :